سينما

ديمي مور المنسية وعودتها إلى الأضواء بفيلم “المادة”

ديمي مور واحدة من أشهر الممثلات في هوليوود، كانت في شبابها نجمة يتمنى العديد من المخرجين العمل معها، حتى كبرت وتراجعت شعبيتها، وظن الكثيرون أن نجمها قد أفل، لكن المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت أعادتها إلى الصدارة مع بطولة مستوحاة من تقدمها في السن وتغير ملامحها، بطولة تركز على هوس النساء بالحفاظ على ملامحهن الشابة.

في تسعينات القرن العشرين كانت الممثلة الأميركية ديمي مور المولودة في عام 1962، إحدى أشهر نجمات السينما الأميركية، كانت لا تزال شابة في الثلاثينات من عمرها وقدمت عدة أفلام لا تنسى إلى جانب كبار نجوم هوليوود ومخرجيها جعلتها من نجمات تلك الحقبة.

كانت تلك المرحلة الذهبية بالنسبة لها كممثلة حيث بدأت تلك الأفلام التي كرستها نجمة جديدة مع فيلم “الشبح” 1990 من إخراج جيري زاكر والذي أدت فيه دور شابة يقتل حبيبها (سام ويت) في أحد الشوارع ليلا من قبل أحد المجرمين الذي أراد سرقته وهو الذي كانت تجمعه قصة حب قوية معها فتبقى روحه الخيرة تحميها بعد وفاته وتحاول التواصل معها عن طريق إحدى العرافات كي يدلها على المجرم الذي قام بقتله. كان فيلما ميتافيزيقا ظهرت فيه ديمي مور الجميلة بشعر أسود قصير، وكان بمثابة البداية الحقيقية لشهرتها.

سطوع جديد للنجمة المنطفئة عندما تختارها المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت لتكون بطلة فيلمها الجديد “المادة”

بعد هذا الفيلم بعامين أي عام 1992 شاركت مور في بطولة فيلم “بضعة رجال أخيار” إلى جانب نجم هوليوود الكبير جاك نيكلسون وتوم كروز الذي كان هو الآخر في بداية شبابه، وأدت في الفيلم دور ملازم في البحرية الأميركية وهو من سيناريو آرون سوركين – عن مسرحية له – وإخراج روب راينر. يروي الفيلم قصة محاكمة ملازمين في البحرية الأميركية متهمين بقتل زميل لهم ويصور المتاعب التي يواجهها محاميهم للدفاع عنهم ونجح الفيلم نجاحا كبيرا وحقق إيرادات عالية أثناء عرضه في دور السينما الأميركية، ليأتي العام التالي وتقدم فيه مور أحد أجمل أفلامها وأحد أجمل الأفلام التي قدمتها السينما الأميركية وهو فيلم “عرض غير لائق” 1993 إلى جانب نجم هوليوود الذهبي روبرت ريدفور، بطل “غاتسبي العظيم” و”خارج أفريقيا”، إلى جانب وودي هارلسون.

الفيلم مأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب جاك انغلهارد وإخراج أدريان لين حيث أدت فيه مور أجمل أدوارها وهو دور ديانا ميرفي التي تسافر مع زوجها الفقير إلى لاس فيغاس لقضاء عطلتهما وهناك يتعرفان على الملياردير روبرت ريدفور الذي يعجب بجمالها ويطلب منها أن تقضي ليلة معه مقابل إعطائها مليون دولار فتخبر زوجها بالأمر فيفاجأ ويعيش في صراع في البداية لكن المبلغ كبير ومغر لأمثالهما من الفقراء، يقنعها أن تقبل ويرسلها إلى الثري الذي يحبها لاحقا ويجعلها تترك زوجها لكنها تقرر تركه في النهاية لأنها تفضل زوجها عليه.

كان هذا الدور بداية تكريس مور نجمة كبيرة في هوليوود ولم تقدم بعده دورا بأهميته يبقيها في ذاكرة الجمهور رغم أهمية الأفلام التي مثلتها بعده.

وفي العام 1994 مثلت إلى جانب النجم مايكل دوغلاس في فيلم “الضحية” عن رواية مايكل كرايتون وإخراج باري ليفينسون، وفي عام 1996 مثلت فيلمها الشهير “ستربتيز” من تأليف وإخراج أندرو بيرغمان والذي سلط عليها الأضواء من جديد وصنفت بعده أنها ممثلة جريئة وذات أجر عال، ليأتي العام 1997 وتشارك في فيلم مختلف كليا عما قدمته سابقا وهو من إخراج الكبير ريدلي سكوت وهو فيلم “جي آي جين” والتي لعبت فيه دور ملازم في استخبارات البحرية الأميركية يتم عرضها لاختبار القبول في فريق الاستخبارات السري الأميركي. ظهرت مور في الفيلم حليقة الرأس ذات معالم قاسية وكان هذا الفيلم بمثابة الذروة لها في عالم الشهرة والأضواء ليبدأ بعده الانحدار التدريجي في مسيرتها الفنية ويبدأ نجمها في الخفوت وتقتصر مشاركاتها في أفلام غير مهمة أو أدوار صغيرة وتنغمس في عالم إدمان الكحول والمخدرات بعد طلاقها من النجم بروس ويليس الذي أنجبت منه ثلاث بنات.

محاولات مستميتة للصمود
محاولات مستميتة للصمود

تفرغت مور في سنواتها اللاحقة لتربية بناتها والعلاج من الإدمان، لكن علاقتها بممثل يصغرها بخمسة عشر عاما استنفدت قواها وأعادتها إلى إدمان الكحول والمخدرات كما صرحت لجريدة نيويورك تايمز حتى يأتي العام 2024 حيث أصبحت مور في الثانية والستين من العمر ولم تعد تلك الشابة الجميلة الثلاثينية التي عرفها الجمهور في أفلام التسعينات من القرن الماضي، لكن للقدر رأيا آخر وهناك سطوع جديد سيحدث لهذه النجمة المنطفئة عندما تختارها المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت لتكون بطلة فيلمها الجديد “المادة” الذي كتبته فارجيت بنفسها ويتحدث عن ممثلة سينمائية تجاوزت الخمسين من عمرها فابتعد عنها المخرجون في هوليوود.

كان اختيار المخرجة للممثلة ذكيا وموفقا وكأنها صنعت هذا الفيلم خصيصا لديمي مور وكانت تكتب قصتها الشخصية دون أن تقصد ذلك، فهي أيضا كانت ذات يوم نجمة هوليوودية يتسابق المنتجون لطلبها لأفلامهم لكنهم ابتعدوا عنها بعد أن شاخت ولم تعد مطلوبة، لذا تماهت قصتها الحقيقية مع قصة إليزابيث الشخصية في الفيلم وأدتها مور بتلقائية وواقعية شديدة وكأنها تعيد تجسيد معاناتها الشخصية مع التقدم بالعمر وتهميش المنتجين في هوليوود لها. كان هذا التماهي الذي حدث صدفة هو أجمل مكافأة من القدر لمور جاءتها عن طريق فارجيت.

فيلم “المادة” وهو من تأليف وإخراج كورالي فارجيت وحاز على سعفة مهرجان كان الماضي لفئة أفضل سيناريو، كما حازت بطلته على جائزة غولدن غلوب هذا العام وترشحت لجائزة أوسكار أفضل ممثلة في حفل جوائز الأوسكار القادم، يحكي قصة الممثلة إليزابيث سباركل (ديمي مور) والتي كانت ذات يوم نجمة هوليوودية وحائزة على الأوسكار ولكن مع تقدمها في العمر وتخطيها سن الخمسين ابتعد المنتجون عنها فأصبحت تقدم برنامجا رياضيا شهيرا كي تبقى على تواصل مع الجمهور.

يأتي الحدث الصادم الذي سيغير حياة البطلة في الفيلم إلى الأبد، حيث يخبرها منتج البرنامج هارفي (دينيس كويد) أنها أصبحت عجوزا ولم تعد تصلح لبرنامجه الذي يحتاج إلى شابة رشيقة صغيرة السن ومن ثم يلتهم رأس القريدس الذي كان في يده ويرمي القشور وكأنه رماها هي بعد أن استغلها لوقت طويل ولم تعد صالحة في هذه المهنة بعد تقدمها في السن، الأمر الذي يسبب لها صدمة كبيرة لتعود إلى المنزل وتتأمل نفسها على المرآة حيث اللقطات القريبة المتوسطة التي تظهر تجاعيد وجهها ورقبتها والتي هي تجاعيد مور نفسها المرأة الستينية.

هنا تبدأ إليزابيث بالعودة إلى الوراء في مشاهد فلاش باك متذكرة مجدها حين كانت ممثلة مطلوبة، وبعد أن يصيبها اليأس من التخلي عنها تشاهد إعلانا لمستحضر اسمه المادة تملكه شركة تجارية تعد المرأة التي تستخدمه باستعادة شبابها وظهورها أصغر سنا فتتواصل معها كي تحصل على هذه المادة وقبل أن تحصل عليها يخبرونها بالشروط الأساسية كي تعود شابة فتوافق عليها.

دور مور جاء وكأنه مكاشفة لها مع ذاتها ومخاوفها الحقيقية إثر تقدمها في العمر وبعد أن كانت نجمة شابة
دور مور جاء وكأنه مكاشفة لها مع ذاتها ومخاوفها الحقيقية إثر تقدمها في العمر وبعد أن كانت نجمة شابة

تحقن البطلة نفسها بهذه المادة التي يستمر مفعولها لمدة أسبوع فقط فتخرج من ظهرها وهي مستلقية عارية في أرض الحمام في مشهد سريالي شابة ثلاثينية شقراء نضرة قوامها مغر ذات مؤخرة كبيرة مشدودة اسمها سو (مارغريت كوالي) وتتحول إليزابيث إلى سو وتصبحان ذات واحدة بجسدين. تتغذى الشابة على روح العجوز التي من شروط نجاح المادة أن تبقى أسبوعا معزولة في غرفة بمنزلها بينما تنطلق الشابة إلى الحياة في الخارج فتقرر سو أن تتقدم للمقابلة على برنامج هارفي الرياضي مع علمها المسبق أنه سيوافق عليها وستعجبه وبالفعل هذا ما يحدث ويذهل هارفي بهذه الشابة الرشيقة المثيرة التي ستقدم برنامجه بدلا من المرأة العجوز إليزابيث.

تبدأ الشركة بتمزيق صور إليزابيث من اللوحات الإعلانية في الطرقات وتضع صورة سو مكانها، والتي تصورها الكاميرا من زاوية منخفضة مظهرة قوتها وثقتها الكبيرة بنفسها، بينما تصور إليزابيث المنهكة خائرة القوى والتي تتغذى هذه الشابة التي خرجت منها على كيانها من زاوية مرتفعة أو بلقطة بعيدة مظهرة ضعفها وانهزاميتها بعد تقدمها في العمر، حتى المعطف الأصفر الذي ترتديه إليزابيث طوال فترة عودة شخصيتها إليها قبل أن تحقن نفسها من جديد يصبح باهتا مع مرور الوقت في دلالة على هرم روحها من الداخل.

تبدأ هذه الشابة التي تخرج منها كل أسبوعين تنهكها وتضغط عليها فتدخل في صراع معها الذي هو في الأساس صراعها مع نفسها في اللاوعي الخاص بها، تبدأ بتمزيقها وإيذائها، ولو أن المخرجة كورالي فارجيت عملت على تحويل هذا العنف والرعب الواقع إلى ثيمة سيكولوجية لكان الفيلم سيظهر أقوى حيث تصبح سو سوى وهم تسببه هلوسات من يحقن نفسه بهذه المادة فتؤثر على عقل المرأة التي تتعاطاها فتتوهم أنها عادت شابة، ولو ركزت المخرجة على هذه النقطة لاختلفت القصة كليا لكن فارجيت أرادت أن تمضي بالخيال والفنتازيا إلى أقصى حدودهما وتصدم المشاهدين.

قدمت ديمي مور شخصية إليزابيث سباركل بتلقائية شديدة فلم تحتج إلى الافتعال وكأنها تقدم شخصيتها الحقيقية على الشاشة وليست الشخصية المكتوبة، وأضفت ملامحها بعد أن تقدمت في السن واقعية على الفيلم وعلى دورها الذي جاء وكأنه مكاشفة لها مع ذاتها ومخاوفها الحقيقية إثر تقدمها في العمر وبعد أن كانت ذات يوم نجمة شابة، هنا تماه جميل بين الشخصيتين الحقيقية والخيالية أعاد ديمي مور إلى المجد من جديد بعد العشرات من السنين، وأثبت أن العمر لا يشكل عائقا أمام الموهبة حين يوظف في مكانه الصحيح، لقد جاء هذا الدور الجميل بمثابة تكريم لديمي مور بعد أن تم نسيانها وتهميشها في هوليوود.

بقلم : إلياس حموي

المصدر : العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى