يكتب شخصياته المسرحية ويسكنها بطاقة النقد ويحركها كما يشاء،

مفيدة خليل
العرض الاول لمسرحية swing بين عالمين تأملوا مرآة انسانيتكم قبل فيضان طوفان الانانية
يحمّل شخصياته قيم انسانية وامراض نفسية يلامسها في مجتمعه، ثم يبث فيها الحياة لتصبح تلك الشخصيات ممثلين يتحركون على الخشبة ليمارسوا التطهير الارسطي ويلعبوا بجدية متحمّلين وزر “الانسانية” في حركاتهم ونصوصهم وشيفراتهم، فالمسرح تجريب الى ابعد الحدود، والتجريب يغري مروان الميساوي بالكتابة، ومن عوالم الترميز والتجريب ولدت مسرحية “swing بين عالمين” التي قدمت عروضها وتدريباتها في فضاء لرتيستو.
“بين عالمين” من تمثيل سيرين بن مراد وايهاب بويحى وبسام بوعبيد وفيديو موسيقى جمال الجواني وملابس سمر المشري ومساعد مخرج سحر النصراوي، انتاج لرتيستو.
بين الترميز والتصريح بنيت الشخصيات
تتأرجح الشخصيات بين الحقيقة والخيال، توغل في التماهي مع التمثيل، وتذهب الى ابعد نقاط التغريب النفسي والجسدي، تلاعب ذاتها، تتحرك في الفضاء وكأنها صاحبة المكان ولا وجود لمن يشاركها المساحة واللعب، من اسطورة نرسيس ونظرته الاولى في المرآة ولدت الحكاية، لتدوم زمنا عمره بضعة دقائق اي بمجرد انطماس صورة نرسيس من الماء، وقد يكون زمنا لا نهاية له عنوانه الانانية وحبّ الذات ومحاولة تجميلها الى ابعد الحدود، فجميعنا “نرسيس” ونرى في ذواتنا انّها الاجمل دون مرآة.
“بين عالمين” تتأرجح الشخصيات، ممثلين يتقمصون دور ممثلين في وسط المسرحية لتكون اول كلمة في العمل “action” لعب ثنائي وطاقة مضاعفة لاقناع جمهور المسرحية، وإقناع الجمهور الاخر المتخيّل، مخرجين للعمل، اول حقيقي انساني هو مروان الميساوي وآخر شخصية من ورق دون اسم او هوية فقط يوجّه ممثليه على الخشبة، بين الاحداث تنساب الحكايات والاحداث، تبوح الشخصيات بوجعها الانساني ووجع شخصياتها المتقمصة وبين الوجعين يبدع الممثل في التناص مع الدور والحرفية لتقديم نص ساخر، ناقد، لاذع وبسيط في الوقت ذاته.
“بين عالمين” تجربة ابداعية تقوم على التجريب والنبش في مرجعيات مسرحية وفكرية متعددة لتقديم عمل يخاطب الروح والعقل في الوقت ذاته، عمل يطرح العديد من الاسئلة، فمن يحرّك من؟ المخرج يحرّك شخصياته ام العكس؟ من يأثر في من؟ الممثلين يؤثرون في الجمهور ام العكس؟، اذا كانت بضع مقاطع تطلبت كلّ تلك الاعادة والوجع فكيف بحياة الفنان في “off”؟ كيف يصل العمل الى المتلقي؟ وما الذي يقدمه الممثل والمبدع من تعب وطاقة لبناء عمل مسرحي او سينمائي يقنع المتلقي؟ وكيف يولد العمل الابداعي؟ هل المسرح والتمثيل فعل سهل؟ ام هو صعب حدّ نسيان الممثل لحقيقته وتماهيه مع وجع الشخصية وفقدها؟ اسئلة عديدة تنساب اثناء مشاهدة تجربة مسرحية يقف خلفها مبدع يؤمن انّ المسرح فنّ عظيم يستحق كل تلك التضحيات.
“بين العالمين” مسرحية تشاكس انسانية الانسان، عمل يغوص في العديد من المعاني والمظاهر ويخرج عبر الشخصيات عقدنا النفسية ليضعها على الخشبة جليّة، عمل انطلق من الرمزية ليحفر في ابعاد التجريب ومعانيه، ابطال الحكاية ثلاثة، مخرج وممثلين، الممثلين انثى وذكر، هو اسمه ادم، وهي دون اسم وكأنها تحمل داخلها كلّ حواءات من بداية الخلق الى اليوم.
“ادم” مصور محب للتصوير يرى انه الافضل مسكون بجنون العظمة حدّ التناص مع نرسيس ومن جنون العظمة الذي يدعيه سيكتشف المتفرجّ انه يعتمد الصورة لاصطياد فرائسه وبين “الكليك” على المصورة وصوت اطلاق الرصاصة من بندقية الصياد انسجام بنيت عليه شخصية الممثل، اما هي فعاشقة للّعب، انثى جميلة جدّا،تعرف متى تصطاد فريستها، يلتقيان في مكان دون ملامح تميزه ارجوحة، هي تتأرجح وهو يرغب في تصويرها، لكل منهم رغبة في البوح وفي الاخر ولكنّ “الانا الأعلى” الرقيب تمنعهم، ليحدث الصراع بين الشخصيتين، وعبره يكتشف المتلقي سمات كل شخصية ومميزاتها، ويكتشف نقطة اللقاء، الصراع الازلي بين ادم وحواء، صراع محوره، من الافضل؟.
المسرح فعل لممارسة الحياة
المسرح تجريب ولعب، على الركح تبدع الشخصيات في ملامسة ابعد ملامح الصدق، الممثلين يلعبون بين بتلقائية وينتقلون بين التركيبات النفسية المختلفة بسلاسة، يعاد المشهد حسب طلبات المخرج لكن الطاقة ذاتها، لهم قدرة على التناص مع الحكاية ليبدون وكانّهم حقيقيين، في العمل يتماهى المتفرج مع حكايات الشخصيات، سيشعر بالألم لوجع الانثى غير القادرة على الحركة، يتضامن مع المصوّر رغم غروره ولكن الاثار النفسية تترك ندوبها في الشخصية، ثم يكون التغريب وضرورة التركيز مع كل كلمة وطريقة نطقها لفهم ما تخفيه، فبين العاطفة والعقل تتأرجح الشخصيات والحكايات، بينهما يكون لقاء الحب والخوف، الرغبة والصدّ، الانانية والود، جميع المتنافضات العاطفية والنفسية تشكّلت منها ملامح شخصيات مسرحية “بين عالمين”.
“بين عالمين” تجربة تراوح بين احلام المخرج وتقديم مادة ابداعية يقبلها المتلقي ويفهمها،معادلة صعب تحقيقها ولكنّهم عملوا عليها، فولدت المسرحية ناقدة، تشاكس الانسان وقيمه وفي الوقت ذاته محمّلة بالترميز والتجريب، ومع الاداء صنعت السينوغرافيا دورها للتاثير في المتلقي، ديكور بسيط اساسه الارجوحة التي ستتحول في بعض المشاهد الى شخصية رغم ثباتها، الاضاءة دقيقة واستعمل المخرج مصابيح متنقلة لتصبح الصورة بأبعاد سينمائية وتنقل ملامح وجه الشخصية عن قرب فبين المسرح والسينما تتارجهح المعالم الفنية ايضا، وصنعت السينوغرافيا ابعاد المشهدية البصرية لاقناع المتفرج برسائل المسرحية.