نصوص

النص المونودرامي “ثُريّا” للكاتب : هلكت إدريس عابد

النص المونودرامي “ثُريّا” للكاتب : هلكت إدريس عابد ترجمها إلى العربية: سرحان أحمد غویان

(تبدأ المسرحية بصورة لسطح، أحد الأسطح القديمة التي تضم منازل متجاورة. يتدلى على حبل نشر الملابس عدة قطع من القماش الأبيض، ما زالت مبللة وتتساقط منها قطرات الماء. يظهر الرجل خلف هذه القطع).

الرجل: ثُريّا… ثُريّا… ثُريّا… أين اختفيتي؟ (يلمس القطع المعلقة) لا تزال مبللة، لا يزال هناك ماء فيها، تعلقت منذ فترة قصيرة. حسنًا، عندما تجففسيتعين عليك القدوم لأخذها. لماذا تتركين هذه الملابس على السطح؟ سأكون في انتظارك، أنتظرك حتى تأتي، أريد أن أراك اليوم، رؤيتك تكفي، لا حاجة للكلام. هل تعلمين أنني أنتظرك؟ هل تعلمين أنني أعيش فقط لرؤيتك؟ هل تعلمين أنني أفكر بك دائمًا؟ ولكن يجب أن تجف هذه الأقمشة قريبًا، ما الفائدة من أن تبقى مبلولة؟ الشمس حارة الآن، يجب أن تجف بسرعة. سأراك حينما تأتي لتأخذي هذه الأقمشة البيضاء… بيديك البيضاء وعينيك، الأفضل ألا يعلم أحد لون عينيك، المهم أن تأتي وتأخذي هذه الأقمشة من الحبل وان أراك، فقط، هذا يكفي… فقط رؤيتك تكفي. هل هو خطأ أن تكوني أنتِ أمنيتي؟ هل لايجوز لي أن أحلم برؤية خطواتك كل صباح عندما أستيقظ، حيث تمشين وتجعلين الكون يرتعش تحت قدميك.

اليوم سوف أرى فستانك الذي أصبح مبللًا بسبب الماء وهو ملتسقًا بجسمك. سأرى حجابك، الذي … ومع ان وظيفة الحجاب هي ستر الشعر، لكنه معك كل يوم يمنح شعرك لونًا جديدًا، يا بنت الحسناء. لقد أصبحت هذه الأقمشة أكثر بياضًا من الريح، لكنك تغسلينها كل يوم وتأتين إلى هذا السطح بهذه الحجة حتى تحرقي قلبي. ولكن ماذا عني؟! هناك العديد من الآخرين مثلي. الله يعلم مع تعليق هذه الأقمشة البيضاء كم قلبًا يحمر معها. ثُريّا، يا ثُريّا، تعالي مرة واحدة وأزيلي هذه الملابس المبللة من هذا السطح. اليوم هو آخر فرصة لرؤيتك. إذا لم تأتي اليوم، فلن أراك إلى الأبد.

(يأتي هذا الشخص أمام الجمهور ويتحدث إليهم)

ما حدث ليس قصة، وليست مسرحية، هذه حقيقة. اسم هذا الشخص هو أتار… أتار ابن شرين. يُلقب على اسم والدته. قُتلت والدته عندما كان طفلًا. ويقولون إن غرض قتلها كان لغسل الشرف. المهم، هذا ليس موضوعنا. عندما كبر أتار، كان يرى جارته ثُريّاعلى هذا السطح ويقع في حبها. ثُريّاهي ابنة السيد خان بائع البالة. كان والدها يبيع ملابس البالة. فلما يجلب والدها بالة جديدة، تغسلها وتضعها على السطح قبل بيعها. كل يوم، يأتي أتار إلى السطح ويسرح في جمالها. هذه هي القصة التي حدثت عندما كانت هذه المدينة صغيرة.

ما كان يربط المدينة لم يكن القومية ولا الدين ولا الأحزاب، بل السطوح المترابطة، القرابة بالقرابة والمحب مرتبط بالمحبوبة. على كل حال، كان يأتي أتار ابن شرين كل يوم ليقول لثُريّابنت السيد خان إنه يحبها، لكنه لم يستطع ذلك. في بعض الأحيان، الإنسان لا يخاف من أن يقول لشخص إنه يكرهه، لكن كلمة “أحبك” تكون أصعب. استمرت هذه القصة لسنوات عديدة، حتى انفجر أتار في صباح أحد الأيام، وعندما أصبح أمام ثُريّا… لم يستطع التحدث. كان من الواضح أن قلب ثُريّاأيضًا كان ممتلئًا.

قالت ثُريّا: “كيف الحال يا جار؟” فأجاب أتار: “أنا بخير جدًا. وأنت؟” وهكذا بدأ هذا الحوار، وجاءت قصة طويلة بعدها. أصبح أتار عاشقًا وثُريّاأصبحت عاشقة. عندما أراد أتار الزواج من ثُريّا، رفض سيد خان بائع البالة إعطاء ابنته لأتار. هل تعلمون لماذا؟ لأن والدة أتار قُتلت… ذات يوم فتح سيد خان جناحًا لكل هذه الأقمشة. لكن اليوم هو اليوم الذي قرر فيه أتار ابن شرين وثُريّاابنة سيد خان بائع البالة الهروب معًا، أو كما نقول في المصطلح الاجتماعي، اليوم قررت “ثُريّا” الهروب. وقد جاء اليوم الذي يجب أن يجتمعوا به على هذا السطح، ولكن ثُريّالم تأت بعد.

والد ثُريّاعلم بأنها ستهرب اليوم، فقام بإلقاء القبض عليها وعرضها لتعذيب شديد. إنها تنتظر لحظة من حياتها لينتهي كل شيء، في حين كان أتار الخائب على هذا السطح في انتظارها.

(صمت، وكأنه سمع صوت قدوم ثُريّا، ثم يتحدث إلى الجمهور مرة أخرى)

ما هذا الصوت؟ أعتقد أنها ثُريّا. (يذهب إلى نهاية المسرح للمشاهدة ثم يعود للجمهور) لكن كيف يمكن أن تأتي ونحن نقدم عرضًا مونودراميًا؟ (يعود على الفور إلى شخصية أتار) لا يمكن! يجب أن تأتي… إذا لم تأت سأذهب إلى بابهم بنفسي. لكن هي وعدتني بأننا سننهي هذه العلاقة السرية ونكون معًا إلى الأبد.

(يذهب ناحية الأقمشة المعلقة، تتضاءل الإنارة ويرتفع صوت الموسيقى)

(فترة من الصمت)

أتذكر مجيئي الأول إلى هذا السطح، الذهاب إلى السطح ليس مجرد تسلق بعض الدرجات، بل هو ارتفاع وارتقاء، لأنك ترى المنخفضات بعدها. وفي الوقت نفسه، تشاهد الأماكن التي لا تستطيع مشاهدتها وأنت في الأسفل. في كثير من الأحيان، نذهب إلى قمة الجبل لنرى نهرًا لا يمكن رؤيته من أسفل الجبل. وحتى عندما ذهب أنبياء الله إلى السماء، ذهبوا إلى الله هناك. وكان هذا ظلمًا في حد ذاته. هم ذهبوا إلى السماء ليروا الله ويريدون مني رؤيته على الأرض. لكن في الحقيقة، عندما أتيت إلى هذا السطح، لم أرَ لا الله ولا النهر. عندما أتيت، رأيت المدينة بطريقة لم أرها من قبل. رأيت أفنية المنازل التي لم أرها إلا من خلال فتحات البوابات الحديدية المكسورة.

ورأيت العرسان الجدد عندما يخرجون من الحمامات. لقد رأيت أمهات يغسلن رؤوسهن من الحناء وينزل الماء كالدم. رأيت أطفالًا بلا سراويل، وليس فقط الأطفال بل حتى الكبار والشباب بدون سراويل. لم أكن أعرف أبدًا سبب رؤية أشياء كثيرة على السطح. ورأيت أيضًا بيوت السياسيين ورجال الدين الذين بنوا ساحاتها بعيدًا عن مدينة الفقراء. رأيت كل هذا من بعيد. عندما أردت أن أعرف ما هو القريب، أو ما يمكن رؤيته حول هذا السطح، كنت أنظر إلى منزل السيد خان. كان جارًا لنا. رأيت فتاة أيضًا، لكن فقط قدميها ظاهرتين. كانت تنشر الملابس. كانت قدماها جميلتين جدًا، عندما كانت تنشر الملابس كانت ترفع يديها على الحبل، لم يكن للمرء أن يميز بين يديها والستائر البيضاء. ورأيت خصلات شعرها، وشاهدت أصابعها اللامعة عندما كانت تربط شعرها بذلك الشريط المطاطي، كانت أطراف شعرها تسقط على رقبتها كأنما جبل انهار فوق رأسها. أدركت في اليوم الأول أنني لم أرى وظيفة العيون، لأن وظيفة العيون هي تمييز الجمال من القبح، وأنا لم أرى سوى جمالًا.

عندما كنت لا أزال قريبًا، رأيت (يستدير للجمهور) من برأيكم من كانت تلك الفتاة… هل تعرفون من هي؟ هل تظنون أنها ثُريّا؟ تعتقدون أنها ثُريّا… لم تكن ثُريّا، بل كانت أمها. إذا ما أصاب سوء الحظ شخصًا ما، فلا يصيبه قليلًا فحسب، وأنا سيئ الحظ، مع كل هذا التفكير خرجت هي من الخلف وقالت لي: “كيف حالك يا ابني؟” قلت إنني بخير. قالت: “عمتك نهاري، كيف حالها؟” وقلت إنها بخير أيضًا. فلما فتحت سطل الملابس ونادت: “ثُريّا… ثُريّا. يا بنت الحمار، تعالي وساعديني في نشر الملابس المتبقية.” وبهذا الصوت ذهبت أم ثُريّا… نعم ذهبت، ذهبت أم ثُريّا. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى جاءت ثُريّابنفسها. نعم، هذه المرة كانت هي نفسها. كانت المرة الأولى التي أراها فيها، لكنني شعرت أن هذه ليست المرة الأولى التي ابصرها. صورتها، نفس تلك الفتاة، الفتاة التي تأتي إلى أحلامي كل عام. تأتي مرة واحدة في السنة، مرة في العام في ليلة وحلم واحد، لكنها تبقى خالدة عامًا كاملًا.

ربما تعريفي لشكل ثُريّاليس كما أقول، لكن صدقوني، الأمر لا يتعلق بالجمال، بل هو مرتبط بالعالم الروحي. رأيتها و… بقيت انا على السطح حتى ذهابها. عندما كانت على وشك المغادرة (يسحب قطعة من القماش تظهر صدرية نسائية تحتها… صمت) عرفت أنك نزعته. لكنني لم أعرف لمن وضعته هناك، فقدست جسدك. هل تعلمين ما معنى القداسة؟ القداسة لها معنى واحد، وهو الوهم. وأنا بنيت وهمًا على جسدك. أدركت أنك لا تريدين مني رؤية جسدك مقدسًا. أظهرت لي قداستك عندما لم تكوني تريدين أن أصل إليك وفي نفس الوقت لم تكوني تريدين فقداني ايضا، وهذا يكفيني لتقديسك، كأنك تقدمين هدية شخص آخر لي. عظمة تلك الهدية كانت في هذا الموجب يا ثُريّا. (يخفي الصدرية مرة أخرى ويضع القماش فوقها) لم أرد أن أجعل هذا الشك حقيقة، لأن هناك بعض الشكوك تكون سعادتنا بها أفضل من الحقيقة. كانت هذه الحقيقة ستفسد السعادة. في ذلك الوقت، كان الشك أقدس من الحقيقة. ماذا قلت الآن؟ هل قدست شيئًا آخر مرة أخرى؟

ثُريّاتعالي، بماذا أساعدك اليوم؟ أفضل ما يمكن أن أساعدك به هو نشر هذه الملابس على الحبل (يسقط الأقمشة على الأرض) سوف أوسخ واحدًا منها حتى تكون حجة لك لتغسليها مرة أخرى وتأتي ونتحدث مرة أخرى، لدي الكثير من المحادثات لأخبرك بها. فقد شاهدت فيلمًا هنديًا الليلة الماضية وبكيت كثيرًا. سأخبرك قصته. كما تعلمين، إنها تشبه إلى حد كبير قصتك وقصتي. لكن في النهاية يُقتل الصبي، وأنا لن أُقتل. لن أُقتل ليس لأني أخاف من الموت، الشيء الوحيد الذي أخاف منه هو البعد عنك… (يبحث مرة أخرى عن ثُريّا) ثُريّا، ثُريّا، أين أنتِ، ألم تعديني أن تأتي إلي؟ لقد وعدتِ أن تأتي إلى هذا السطح الذي قربنا لبعض، أنا لن أغادر هنا… ثُريّاأين أنتِ…

(يصعد على الدرج)

في هذه المدينة، جميع الأمور السرية تتم تحت السقف. الشيء السري الوحيد الذي يتم عمله على السطح هو الحب. هذا يعني أن الحب ليس سراً (تقع عيناه على صديرية ثُريّا). أين نزعتي هذا؟ على السطح أم تحت السطح؟ لا، لم يكن هناك سطح. لم تكن هناك أبواب أو نوافذ. فقط حائط بيتنا وبيتك، ورغم ذلك قد خنتني يا ثُريّا. (يضحك. ثم يذهب إلى ذلك الاتجاه) صباح الخير… صباح الخير ثُريّا… صباح الخير وقوزلقورت. كيف يمكنك معاقبة إنسان ليلاً ونهاراً؟ يجب أن يكون لديك عذر منطقي. كما تعلمين، هذا يعني أن أحدنا ديكتاتور والآخر ذو عقلية متحجرة.

لم أعد انا ذو العقلية المتحجرة يا ثُريّا. عندما تأتي إلي سوف تحييني. لن يكون هناك اي أعذار لك حتى لاتحييني يا ثُريّا. لكن أعلمي يا ثُريّا، اذا لم تصعدي اليوم الى هنا، لن تصعد إلى السطح مرة أخرى. لانه لن يبقى بيننا أي علاقة، من اليوم فصاعداً لم يبقَ بيننا شيء. حسناً، أنت تفهمين ما قلته. باي (يخرج ويعود) أنا آسف إذا آذيتك في مرة من المرات، اعذريني، لا تنسي أنكِ ما زلتِ عزيزة على قلبي مثلما كنتِ، لكن القدر لن يجمعنا… إلى اللقاء.

كيف.. يجب أن أذهب، لأنه أفضل من بقاء يؤذي كل منا كل يوم. هو كذلك. ما زلت أحبك يا ثُريّا. لكنني لا أريد أن يصبح هذا السطح مكاناً سيئاً بيننا وهو حصن للذكريات الجميلة. لا ثُريّا، لن أذهب، لن أذهب أبداً من هنا، لن أترك هذا السطح، آسف على كل ما قلته، ليس هناك رحيل في الحب (يأخذ القماش الذي على الأرض ويضعه على الحبل). الجزء الأكبر من الحب هو الحرب، إذا لم أؤذيك بسبب حبي، فكيف يمكن أن تصدقي أنني أحبك كثيراً؟ لقد انتهت الحرب. (صمت) ثُريّا، أقول إن الوقت قد حان لنعيش معاً. لا أستطيع تحمل ذلك بعد الآن.

حروبي وغضبي كلها اشتياق. أريد أن أعيش معك الآن. طالما أنني أحب فهذا حقي. أريد أن ينتقل حبنا من المرحلة السرية إلى المرحلة المفتوحة. أنتِ تعلمين أنني كل يوم عندما أستيقظ، أسمع صوت بوق حاجكو. أتساءل متى سيأتي اليوم الذي يعزف فيه حاجكو لي ولثُريّا. تصبح عمتي نهاري الملاية، بيتنا يصبح بيت العريس. أنا بعيد جداً عن اليوم الذي لم أصل إليه بعد. سنبني غرفة لأنفسنا على هذا السطح. هل تعرفين لماذا؟ إذا أخبرتني يوماً ما سأذهب إلى السطح لنشر الملابس، سأخبرك أن تنشريها في السطح الذي هو بالداخل.

(غاضب جداً) كيف… كيف لم يوافق والدك؟ قولي لي الحقيقة، لماذا لم يوافق؟ عدم موافقته لا يعني أنني لن أحقق أحلامي معك. فليكن استياءه. الموافقة بيدنا نحن، ثُريّاتعالي، فلنهرب معاً، نعم اهربي معي، سأكون على السطح ليلة الغد في انتظارك. أعدك أن أقبل أحذية كل ملك وأغا ومستشار فقط حتى يبقونا عندهم بأمان، فقط لحمايتي أنا وأنت. حسنًا، أنا في انتظارك غداً. عديني أن تأتي، هيا عديني.

حسناً، ليلة سعيدة. سوف أراك غداً. ليلة سعيدة، سوف أراك الليلة القادمة. غداً، سأراك ولن أنتظرك بعد الآن. سوف أراك وستبقين معي إلى الأبد. عيناكِ على قلبي. هذه هي الليلة الأخيرة التي نتصافح فيها. وستبقى أيدينا معاً إلى الأبد. (يأتي صوت رصاصة وكأن والد ثُريّاقتلها، يذهب أتار إلى حائط بيتها وكأنه شاهد جثة ثُريّاعلى الأرض. مع صوت الموسيقى يتراجع إلى الخلف ويصب الدم على الأقمشة البيضاء، تخف الأضواء تدريجياً، ظلام).

Monodrama “Thuraya”

By: Helkat Idris

Translated by: Sarhan Goyan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى