“كعكتي المفضلة” فيلم واقعي حميمي يثير غضب إيران بتحديه الممنوعات
دراما سينمائية تصور علاقات الحب وتدافع عن حرية المرأة.

يواجه مخرجان إيرانيان تضييقات مشددة بعد أن تحديا في فيلمهما الجديد كل ما تحرمه السلطات على الشعب وتحديدا النساء، حيث صورا قصة جريئة تدافع عن حق المرأة في حرية اللباس والعلاقات العاطفية وحق الإيرانيين في سماع الموسيقى وعيش حياتهم وفق النمط الذي يختارونه بحرية تامة بعيدا عن الضوابط الدينية المتشددة التي تفرضها الدولة.
رغم أنه أثار إعجاب النقاد وعرض في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية إلا أن فيلم “كعكتي المفضلة” أدى إلى توجيه اتهامات قانونية لمخرجيه الإيرانيين مريم مقدم وزوجها بهتاش صناعيها اللذين يعانيان منذ فترة ترهيبا وضغوطا خانقة لوقف عرض الفيلم دوليا.
حظي الفيلم المفعم بالإيجابية الذي تحمل نسخته الدولية اسم “My Favourite Cake” أو “كعكتي المفضلة”، بإشادة كبيرة في المهرجانات وعُرض في دور السينما في أكثر من اثنتي عشرة دولة في نهاية عام 2024، وهو فيلم درامي رومانسي عن زوجين مسنين يمضيان ليلة معا للهروب من وحدتهما، مسلطين الضوء على الواقع الإيراني.
ومع تزايد الآراء الإيجابية حول الفيلم وتوقع عرضه في عدد متزايد من البلدان في الأسابيع المقبلة، يواجه المخرجان المقيمان في طهران مقدم وصناعيها ترهيبا متزايدا من السلطات الإيرانية.
وقال صناعيها عبر مكالمة بالفيديو مع وكالة الأنباء الفرنسية من العاصمة الإيرانية “يريدون منا وقف عرض الفيلم في دول مختلفة.” وأضاف “عندما يذهب فيلم إلى مهرجان أو يُطرح للعرض في بلد جديد، يتصلون بنا، ثم يدفعوننا لوقف الفيلم، في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وفي كل مكان.”
وبعد أن داهمت قوات من الحرس الثوري الإيراني مكتبهما في عام 2023، اتُهم الزوجان بـ”الدعاية ضد النظام” و”نشر الفجور والدعارة” وانتهاك الشريعة الإسلامية من خلال “الابتذال.”
مذاك، اضطر مخرجا فيلم “قصيدة بقرة بيضاء” الصادر عام 2020 إلى الخضوع للاستجواب لدى الشرطة مرة واحدة شهريا أو أكثر وتمت مصادرة جوازا سفرهما.
واجه مخرجون إيرانيون مشهورون آخرون من جعفر بناهي إلى محمد رسولوف، الذي فر من إيران العام الماضي، ضغوطا مماثلة. وتابع بهتاش صناعيها “ننتظر الآن القرار النهائي للمحكمة.”
واقع خانق

يروي فيلم “كعكتي المفضلة” قصة ماهين، وهي أرملة تبلغ 70 سنة، تلتقي متقاعدا آخر يعمل سائق سيارة أجرة، في أحد المطاعم. ويحصل إعجاب بينهما، ويمضيان الليل في منزلها بعيدا من أعين عناصر شرطة الأخلاق، وبينما تفرح لأنها وجدت شريك حياة إلا أنها تصطدم بوفاته صباحا إثر تناوله قرص منشطات سرا.
ويتحدى الفيلم الدقيق والمؤثر قواعد الرقابة الصارمة في إيران بتصويره الحميمي للحياة اليومية وتسليطه الضوء على العديد من القضايا الحارقة في المجتمع، وهو أمر كان المخرجان يعرفان أنه محفوف بالمخاطر.
وأوضح صناعيها “منذ البداية، كنا نعلم أنه ستكون للأمر عواقب علينا،” مضيفا “لا يقتصر الأمر عليّ وعلى مريم فقط، الممثلون الآن في المحاكمة، مثلنا، بتهم أقل، لكنهم في القضية نفسها.”
يتناول الفيلم العديد من القضايا الحساسة بالنسبة للنظام الإسلامي في إيران، إذ يصوّر زوجين يتذكران الحياة
قبل القيود الاجتماعية التي فرضت بعد الثورة الإيرانية عام 1979. كما يتحدث عن علاقة بين شخصين بالغين غير متزوجين، أرملة وأرمل، بينما لا ترتدي البطلة، ليلي فرهادبور، الحجاب.
وقالت مقدم، وهي ممثلة أيضا، “أردنا أن نروي قصة واقع حياتنا، والذي يتعلق بتلك الأشياء المحرمة مثل الغناء والرقص وعدم ارتداء الحجاب في المنزل، وهو ما لا يفعله أحد في المنزل.” وأضافت “العيش كأشخاص عاديين لديهم رغبات، ولمس بعضنا البعض، كل هذه الأشياء محرّمة. لكنّ سرد هذه الحقائق كان مهما جدا بالنسبة لنا.”
وأضاف صناعيها “في الأفلام الإيرانية، لـ45 عاما، كنت ترى امرأة إيرانية تستيقظ في السرير وهي ترتدي الحجاب. إنه أمر سخيف لأنه لا يحدث في الواقع في المنازل الإيرانية!”
رقابة مشددة

بدأ تصوير الفيلم المثير للجدل قبل أسبوعين من حركة الاحتجاجات في إيران عام 2022 والتي أشعلها اعتقال الطالبة البالغة 22 عاما مهسا أميني بتهمة انتهاك قواعد اللباس، والتي توفيت لاحقا خلال احتجازها لدى الشرطة. وقد وُوجهت الاحتجاجات بقمع عنيف خلّف مئات القتلى، وفق جماعات حقوقية.
وأوضح صناعيها “لقد شعرنا بالصدمة. أوقفنا تصوير الفيلم، ثم بعد يومين، اجتمعنا جميعا وتحدثنا لبضع ساعات وذكّرنا أنفسنا بأن الفيلم الذي كنا نصنعه كان يتشارك المواضيع نفسها مع الحركة الاحتجاجية.”
ويُطرح الفيلم في فرنسا الأربعاء، ومن المقرر عرضه في البرازيل واليونان والنرويج وبلجيكا هذا العام، بينما تجري مفاوضات بشأن عرضه في سبع دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وعرض الفيلم ضمن القسم الرسمي خارج المسابقة، ضمن فعاليات الدورة الـ45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي انعقدت في شهر نوفمبر 2024.
وسبق للسلطات الرقابية في إيران أن منعت المخرجة مريم مقدم وزوجها بهتاش صناعيها من السفر إلى مهرجان برلين لحضور عرض فيلمها “كعكتي المفضلة”، وتم وضع إشارة إلى اسميهما على كرسيين شاغرين طوال عرض الفيلم والمؤتمر الصحافي.
الفيلم يعالج قضايا حساسة للنظام إذ يصوّر زوجين يتذكران الحياة قبل القيود الاجتماعية التي فرضت بعد ثورة 1979
ووصفت الكاتبة المصرية الفيلم إثر عرضه بمهرجان برلين بالقول، “ضجت القاعة التي شاهدنا فيها الفيلم في مهرجان برلين بضحكات الجمهور، الذي طرب لقصة الحب الوليدة، وللحضور العذب لكل من الشخصيتين الرئيسيتين، الذي جعلنا ننتشي بصحبتهما كما انتشيا هما بصحبة بعضهما البعض وبكؤوس النبيذ. ربما كان من الممكن لقصة الحب تلك، بما فيها من تحد للأعراف المجتمعية التي تفرض على المرأة، التي تقدم بها العمر أن تتصرف وفقا لأعراف محددة، أرساها المجتمع التقليدي، أن تكون أكثر معارضة وتمردا من المشاهد المقحمة لشرطة الأخلاق، لكن مخرجي الفيلم ظنا أن المباشرة والتلقين يوصلان الرسالة بصورة أفضل.”
وفي الوقت الحالي، لا يمكن للإيرانيين مشاهدة الفيلم إلا من خلال تحميله بصورة غير قانونية أو الحصول على نسخ مقرصنة تتم مشاركتها على خدمات الرسائل المشفرة مثل تلغرام. وقالت مقدم عن المخاطر التي يخوضها الثنائي، “نعتقد أنه يتعين علينا أن نكون هنا. يتعين علينا أن نقف وأن نقاتل.” وأضافت “لا نعرف ماذا سيحدث في المستقبل.”
وكانت الممثلة والمخرجة السويدية – الإيرانية، مريم مقدم، قد أعلنت في سبتمبر الماضي أنها مُنِعت من مغادرة إيران، في حين كانت تستعد للسفر إلى السويد لحضور العرض الأول للفيلم. وأوضحت أنها وزوجها، المخرج المشارك بهتاش صناعيها، «لم يعد لهما الحق في مغادرة البلاد.» وعلقت حينها على قصة الفيلم بالقول “إنها قصة امرأة تعيش حياتها، وتريد أن تعيش حياة طبيعية، وهو أمر محظور على النساء في إيران.”