نقد مسرحي

احلموا واعيدوا امجاد الكلمة الحرة…فالحرية لا تفنى

العرض الاول لمسرحية “العفرته” اخراج يوسف مارس

تصنع امجاد الاوطان بنضالات ابنائها الصادقين، نحتت الفرق الملتزمة جزء من تاريخ هذا البلد

وكانت اصواتهم شرارة للحرية عجزت الديكتاتورية عن كتمها، الى كل صوت حرّ اهديت مسرحية “العفرته” ، الى كل فنان التزم بقيم الحرية في بلاده حبّر نور الدين الهمامي نصّه المسرحي، الى من سقطوا من الذاكرة احيانا او تناستهم بعض السجلات الرسمية انصت نور الدين الهمامي ويوسف مارس وصنعا شخصيات من ورق تحوّلت الى شخصيات مسرحية كانت بمثابة الذاكرة للدفاع عن مناضلي الامس بالكلمة.

“العفرته” مسرحية او قصائد في الالتزام، هي صرخة ضد النسيان والجحود،من تمثيل نور الدين الهمامي ولطفي الناجح ووجدي حداد ومنى الشنوفي وياسمين الشكيلي تقني اضاءة امين الشورابي وتقني صوت لطفي معاوية وانتاج شركة مارس للانتاج.

العمل احياء لذاكرة اليسار التونسي والدفاع عن الفن الملتزم

المسرح صوت متجدد للحرية والى مناضلي الامس والمقاومين بالكلمة وجرأتها، الى كل صحفي نزيه قادر على قلب الاحداث والمعطيات بمقال صادق وحرّ الى من لازالوا محافظين على وطنيتهم ولم يبيعوها في مزادات السلطة بتغير انظمتها اليهم جميعا كتب نور الدين الهمامي نص مسرحية “العفرته” الذي حوّله يوسف مارس الى عمل مسرحي.
“العفرته” كلمة من الموروث الشعبي التونسي وتعني الثعبان الضخم وارتبطت في المخيال الجمعي بثعابين اسطورية تسكن البيوت وأحيانا تخرج لسائري الليل، منها بنى كاتب النص شخصياته، فاختار ان يكون “العفرته” مقاومين استطاعوا الانتصار على ديكتاتورية النظام هم فرقة موسيقية ملتزمة اقسمت على حبّ البلاد والدفاع عن ابنائها ايا كان الثمن.
“العفرته” شخصيات مسرحية ولكنهم حقيقة ايضا، هم جزء من الحراك الثقافي التونسي، جزء حقيقي من ابناء الشعب الذين قدموا الدم والروح لاجل تونس، هم جلبار نقاش والهاشمي الطرودي وكل سجناء الراي في السبعينات والثمانينات من اليسار التونسي، هم روح الفاضل ساسي ترفرف في المكان وتزهر قمحا تونسي اصيل، هم اصوات صخبت للحرية على غرار اولاد المناجم والحمائم البيض والهادي قلّة واصحاب الكلمة وجيل جيلالة واصحاب الغيوان اتحدت اصواتهم لاجل الحرية ولازالوا رمزا للحرية الحمراء بكل يد مضرجة يدقّ، هؤلاء حضروا جميعهم في العمل لانّ المسرح مساحة لاعادة الحياة والاعتبار لكل الصادقين.
العمل مشحون بطاقة النقد، محاولة جادة لإعادة الاعتبار لكل المناضلين، انطلق من سؤال اين الفرق الملتزمة التي صدحت دون خوف قبل 2011 وبعده ضاعت في زحام فوضى الموسيقى، اشتغلنا على الارتجال اولا، هناك مرجعيات متنوعة، فكرية وثقافية مثل الفرق الملتزمة والفكر اليساري عموما، بالاضافة الى ملامح “ساعي بريد نيرودا منه استلهمنا شخصية ماريو الشعرية في الكتابة اسلوبنا وطريقتنا في تمرير الافكار ليكون النص النهائي محاولة منا لرد الاعتبار للفرق الملتزمة والتذكير بنضالات اصحاب الفكر والقلم لاجل حرية هذا الوطن حسب تصريح نور الدين الهمامي للمغرب.

انتصروا للبلد لا السلطة

تحمل اجساد الممثلين حكايات الشخصيات وايديولوجياتها، ” العفرته” تجربة مسرحية وضعت على الخشبة نوعين من ابناء الشعب الواحد، الاول هم “العفرته” الصادقين وتجسد في شخصية “سي الكامل” الشاعر والصحفي (نور الدين الهمامي) وصديقه “علالة” عازف الكمنجة (الحاضر في المعنى والغائب جسدا)، كلاهما من مناضلي الفترات السابقة، عرفوا سجون البلاد بسبب انتماءاتهم الوطنية، والثاني هم اذيال “الانكودا” يمثله “ناظم” (لطفي الناجح) و”حبيبة” (منى الشنوفي) السياسية الراغبة بالوصول الى مجلس النواب باستخدام كل الاساليب القانونية، ليحدث الصراع بين “العفرته” واذيال “الانكودا” هو الصراع بين مناصري الوطني ومناصري السلطة، صراع عرفته تونس قبل الثورة وتواصل الى ما بعدها والسؤال من سينتصر؟ من يؤمن بالوطن؟ ام من يدمن السلطة؟.
المسرح مساحة للحرية ولتمرير افكار وطنية ينتصر من خلالها الممثلين لوطنهم بطريقتهم، على الخشبة يصبح المسرح فضاء للحب، قصيدة عشق نعرف استهلالها دون النهاية، مساحة للحب والاختلاف، يحدث الصراع، وتحاول كل شخصية ان تبرز اولا من خلال لغة الجسد “فاش تعمل…نشطح” ثم النص المنطوق، فالممثلين حملوا فكار الشخصيات المسرحية وكل عاد الى مرجعية ما لتكون الملامح الجسدية والفكرية واضحة لمتلقي العمل المسرحي.
الصراع على الخشبة بين طرفين متنازعين من الماضي اثمر جيل ثالث جسّده العاشق لبيب (وجدي حداد) والمتمردة شمس(ياسمين الشكيلي) ، هذا الجيل الذي حاولت السلطة السيطرة عليه وتسطير افكاره لكنّ شرارة الثورة داخله لا تخفت فهو رماد تحته نار تشتعل من جديد لمجٍرد قصيدة حبّ، فالثنائي العاشق يختاران مواصلة النضال باسلوب العصر الحديث فيتمّ تنزيل اغاني الفرقة على “يوتيوب” وتوضع المقالات القديمة على “فايبسبوك” فرغم اختلاف الوسائل يظلّ النضال قائما، وكاّن بفريق العمل يذكّر جيل اليوم بمسؤوليته تجاه وطنهن يعيد اليه امجاد فناني السبعينات وجراة اصحاب الكلمة الحرة ويمنحه مشعل مواصلة الدفاع عن مدنية الدولة وحقوق الانسان امام تغوّل من يمثلون الة السلطة بمختلف تسمياتها.
“العفرته” قصائد في الحب والالتزام صرخة في وجه النكران والجحود، مجموعة فنية ملتزمة عانت القيد ومصادرة الكلمة الحرة في زمن القمع ثم التهميش واللامبالاة حين تحررت الأفواه، هي صراع متواصل بين القديم والجديد، مسرحية تدافع عن فكرة الالتزام بالقضايا الكبرى، نص جريء في تناوله قدّم بدعم من وزارة الشؤون الثقافية التي لم تمنح الشركة المنتجة مستحقاتها الى لحظة العرض حسب تعبير الممثل نور الدين الهمامي بعد نهاية عرضهم الاول.

بقلم : مفيدة خليل

المصدر : المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى