مهرجان الدوحة المسرحي: تجارب من أجل مسرح أكثر تجددا وفاعلية
دورة تؤكد قدرة المسرح على الاستمرار في صياغة الوعي الثقافي والاجتماعي.

بعد مرور أكثر من خمسين عاما على تأسيسه، لا يزال مهرجان الدوحة المسرحي يثبت جدارته كأول المهرجانات المسرحية التي انطلقت في الخليج العربي، ساعيا لدعم التجارب المحلية وتعزيز انفتاحها على حركتي المسرح العربية والعالمية، وهو في دورته المنعقدة حاليا في العاصمة القطرية يعزز مكانته بعرض رؤى وتجارب فنية تجتمع كلها من أجل مسرح أكثر تجددا وفاعلية في المجتمعات.
تعيش العاصمة القطرية على وقع فعاليات الدورة السابعة والثلاثين من مهرجان الدوحة المسرحي، التي انطلقت الأربعاء على خشبة مسرح يوفنيو، وسط حضور نخبة من الفنانين والمسرحيين والمثقفين. ويستمر المهرجان إلى الحادي والثلاثين من مايو الجاري، مؤكدا مكانته كأول مهرجان مسرحي في منطقة الخليج يحتفي بأبي الفنون.
وفي الكلمة الافتتاحية للمهرجان عبّر عبدالرحيم الصديقي، مدير مركز شؤون المسرح ورئيس المهرجان، عن رؤيته العميقة لمعنى استمرار شغف الإنسان بالمسرح رغم التحولات الرقمية، متسائلا “ما السر الذي يجعل الناس يذهبون إلى المسرح رغم طغيان الترندات والهاشتاغات؟ أهو سحر التواجد المشترك في القاعة؟ أم الإحساس بنبض الممثل الحي على الخشبة؟ أم لأن المسرح هو الفن الذي يجمع كل الفنون؟” واختتم كلمته بالإشادة بدور المسرح في صياغة الوعي الثقافي والاجتماعي، مؤكدا على أهمية دعمه كممارسة فنية حية نابضة بالتجديد.
يحمل شعار الدورة 37 طابعا بصريا مميزا يُجسّد الهوية المعمارية والثقافية للعاصمة القطرية الدوحة. ويتضمن التصميم عناصر من التراث المحلي مثل الأبراج المعمارية المستديرة، ويُبرز الرقم 37 دلالة على استمرارية المهرجان. ويجمع شعار الدورة الحالية بين الحداثة والأصالة، ليُعبّر عن رؤية المهرجان في التطوير دون التفريط في الجذور الثقافية.
ويكرّم المهرجان في دورته هذا العام ثلاثة من الفنانين الذين ساهموا في إثراء الحركة المسرحية القطرية، وهم: الفنان يوسف أحمد من فرقة الوطن، الفنان سعد البورشيد من فرقة قطر المسرحية، والفنان أحمد المفتاح من فرقة الدوحة المسرحية. ويتضمن المهرجان عشرة عروض مسرحية، منها ثلاثة لفرق المسرح الأهلية القطرية وهي فرقة قطر، وفرقة الدوحة، وفرقة الوطن، وسبعة عروض لشركات الإنتاج الفني الخاصة.

وتضم قائمة العروض مسرحيات: “كون سيء السمعة” لشركة الموال للإنتاج الفني، والتي عرضت خلال حفل الافتتاح، إلى جانب مسرحية “غرق” لفرقة الوطن المسرحية، و”الساعة التاسعة” لفرقة قطر المسرحية، و”أنتم مدعوون إلى حفلة” لشركة تذكار للإنتاج الفني، و”الغريب” لشركة إشهار للإنتاج الفني، ومسرحية “الربان” لشركة جسور للإنتاج الفني، و”نخل” لشركة فضائية للإنتاج الفني، و”ريحة الهيل” لفرقة الدوحة المسرحية، و”مطلوب مهرجين” لشركة السعيد للإنتاج الفني، و”البهلول” لشركة مشيرب للإنتاج الفني.
وتتألف لجنة التحكيم من عدد من المسرحيين المرموقين، برئاسة الدكتورة هدى النعيمي، وعضوية الدكتور عبدالكريم جواد، الأستاذ سالم ماجد المرزوقي، الأستاذ عصام السيد، والدكتور موسى آرتي. ويمنح المهرجان جائزة أفضل عرض مسرحي، إلى جانب جوائر أفضل: إخراج ، تأليف ، ممثل دور أول ، ممثل دور ثان، ممثلة دور أول، ممثلة دور ثان، ممثل واعد، ممثلة واعدة، أزياء وإكسسوارات، ألحان ومؤثرات صوتية، ممثل واعد، ديكور، إضاءة، كلمات أغاني. كما أضافت اللجنة المنظمة هذا العام جائزتي أفضل إنتاج وأفضل مشاركة لممثل عربي.
وإلى جانب العروض المسرحية، يشهد المهرجان ندوات تطبيقية بعد العروض المسرحية، يشارك فيها نقاد ومسرحيون مختصون لمناقشة وتحليل الأعمال المقدمة. كما ستُقام ندوتان فكريتان بعنوان “الخشبات المسرحية الصالحة للعروض المسرحية في الخليج” و”المسرح في ظل الذكاء الاصطناعي”.
وسيتم خلال المهرجان تدشين كتابين يتناولان السيرة الذاتية لاثنين من رموز الحركة المسرحية في قطر، وهما: الكاتب والناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد، والفنان والمخرج فالح فايز. ونوهت نخبة من المسرحيين والنقاد والفنانين من دول مجلس التعاون والدول العربية بتميز فعاليات الدورة السابعة والثلاثين من مهرجان الدوحة المسرحي، وأهمية المهرجان كمحطة فنية تعزز الحراك المسرحي في المنطقة.
وفي هذا الإطار، قال المسرحي خالد الرويعي، رئيس اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية إن مهرجان الدوحة المسرحي “يُجسد نبض الحركة المسرحية الخليجية والعربية، ويعبّر عن تطلعات الفنانين نحو مسرح أكثر تجددا وفاعلية،” مؤكدا أن الدورة السابعة والثلاثين هي تأكيد على استمرارية المسرح كضرورة ثقافية تعزز الهوية، وتدفع بالإبداع نحو آفاق جديدة.
وأضاف أن المهرجان “ليس فقط ساحة للعروض، بل فضاء للحوار وتبادل الرؤى والتجارب المسرحية، وفرصة لتكريم الرواد واحتضان المواهب الشابة، في ظل تسارع الوسائط الرقمية،” مؤكدا أن المسرح يظل فعلا حيّا يعيد الإنسان إلى جوهر الحكاية والمجتمع. من جهته، ثمّن المسرحي البحريني أنور أحمد عودة المهرجان بعد توقفه، مشيرا إلى أن استمرار الدعم الرسمي والمجتمعي هو الضمانة الأساسية لازدهار المسرح المحلي والخليجي.
وقال “كنت من الحاضرين في الدورات السابقة، وكنا نراهن على استمرارية المهرجان بدعم وزارة الثقافة، وهو أمر مهم جدا، حيث إن استمرار الحركة المسرحية سينتج فرقا قوية ومهرجانات محلية نشطة، ويبرز مخرجين شبابا بأفكار جديدة.” وأكد أن البنية التحتية والدعم للشركات المنتجة عنصران حاسمان لنهضة المسرح، مشيدا بجهود قطر في هذا المجال. وأضاف “أنا متابع للمسرح القطري منذ السبعينات، وأرى أن استمراره ثمرة جهود الرواد، ودليل على مستقبل مشرق بفضل الشباب والدعم المستمر.”
شعار الدورة الحالية يجمع بين الحداثة والأصالة ليُعبّر عن رؤية المهرجان في التطوير دون التفريط في الجذور الثقافية
أما الناقد المسرحي المصري الدكتور محمود سعيد، فقد أشار إلى أن المسرح القطري يشهد حركة متواصلة على مدار العام، ويواكب التحولات الفنية الحديثة. وأوضح أن “المسرح ليس مجرد تقديم قصة، بل هو قراءة حية للجسد واللغة، والانتقال من النص إلى العرض يشبه الانتقال من الهواء إلى الماء، ولهذا يجب أن تكون النصوص قادرة على التحول الدرامي والزمني.”
وأشاد محمود سعيد بالأعمال المسرحية المشاركة في المهرجان، خاصة تلك التي كتبها رموز خليجيون، مؤكدا على نضج الكتابة المسرحية في الخليج. وعبّر الفنان والمسرحي إبراهيم الحساوي من المملكة العربية السعودية، عن اعتزازه بالمشاركة في المهرجان، مشيرا إلى أن هذه الدورة استمرار لمسيرة طويلة من العطاء المسرحي.
وقال إن هذا التميز ليس جديدا على المسرح القطري، فهو في دورته السابعة والثلاثين، وقد أفرز أجيالا تركت بصماتها في المشهد المسرحي الخليجي والعربي، واليوم، نرى جيلا جديدا يتمتع برؤية فنية عميقة، ويستفيد من تجارب من سبقوه، بالإضافة إلى التطور التكنولوجي.
يذكر أن مهرجان الدوحة المسرحي الذي كانت انطلاقته الأولى عام 1978، يمثل واجهة فنية وثقافية مهمة لدولة قطر، ليس فقط باعتباره فرصة لعرض الإنتاج المسرحي، بل أيضا كمنصة للحوار والتبادل المعرفي بين المسرحيين المحليين والعرب. وتزداد أهميته كأداة من أدوات القوة الناعمة التي تسهم في تعزيز صورة قطر إقليميا وعالميا، عبر دعم الفنون وتعزيز التنوّع الثقافي.
ويسعى المهرجان منذ تأسيسه إلى تحقيق عدة أهداف محورية، منها دعم الفرق المسرحية المحلية وتمكينها من تقديم أعمال فنية على مستوى عالٍ من الاحتراف، وتنمية الوعي المسرحي لدى الجمهور والممارسين على حد سواء، عبر تنظيم عروض، ندوات، وورش عمل، إلى جانب تعزيز الحضور الثقافي لدولة قطر من خلال دعم المسرح كأداة من أدوات القوة الناعمة والتأثير الثقافي، وتشجيع التجارب المسرحية الشبابية والمستقلة التي تقدم رؤى جديدة في الفن المسرحي.
المصدر : العرب