مسرحية (تحت الضغط) : د.سنان العزاوي

مسرحية (تحت الضغط) تأليف: جماعي اخراج : ريان القيرواني مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف/ تونس
المدينة بوصفها مسرحآ
يسعى عرض (تحت الضغط) الى تقديم صورة لواقع البيئة و الطبقة المتسلطة في المدينة التي اعتلت سلوكياتها القيم بعد الربيع العربي لقد عانت الذات التحديات والضغوط\ الداخلية بينها وبين الاخر وما يحمل من فكر (تيار) يحاول ترجمته الى سلوك يمغنط العقل الحديدي (العربي) ليجذبه , ان الهيمنة الثقافية قد طرحت انسان النصف كما اشار (مالك بن نبي) صاحب العقل الاستهلاكي لسلوكيات واوضاع الغرب وهو يتطلع اليه والى فكره الكولونيالي الجديد الذي يدعوا الى السلطة والهيمنة.

وإذا ما استندنا إلى مفهومات (مالكوم برادلي) في توصيفه للهزات الحضارية التي تغير شكل الذات في المدن فنجد أن المخرج قد شكل العرض وفق الهزة الأولى الناعمة، عبر أداتها (الكولونيالية) حيث تجلي ظاهرة الوعي القبلي الاصل للقيم الاجتماعية في المدينة والتي عكست الطبقات الاجتماعية الكامنة فيها وتحكمات السلطة التي جراء الخوف منها يصبح الجميع متملقا خوفا من بطش القانون ذلك الوعي الدخيل على البيئة والذات والحرية , والذي تشكل بالعرض عبر اداء شخصيات المهرجين الثلاث , صراع القيم الاجتماعية الاصيلة والمتحولة والدخيلة مع اضداد القيم في بنية شكلية شخصت واقعا وحدثا ووعيا .
لقد صور المخرج ( ريان القيرواني) العرض عبر الذات تلك التي تسعى الى تحقيق احلامها , هويتها , ثقافتها , بيئتها , وعيها وما يجري عليها من ضغوطات في ظل سلطة حاكة متمردة على البراءة دائمة الميول الى العدوانية .
ان دور الرقيب بحد ذاته متواجد على الدوام ، يرافقنا بالصحو وبغيره والمقصود حالات الأفعال التي لا تبقى في الذاكرة، فهنا يكون الرقيب في حالة من الاسترخاء والاستجمام لاكتساب القدرة على الاستمرار والمطاولة , وهنا في العرض وظف المخرج وعبر البعد الاول للعرض وظيفة كل شخصية ومنها شخصيات طبقات المجتمع بالإضافة الى الرقيب السلطة الذي جاء على شكل سماعي صوتي ومرئي ضوء يتوهج بين حين واخر ليحمل الاداء الى تقديم ملامح الذعر والخوف .
استعرض العرض (ظاهرة) القلق الإنساني عبر الرمزية والدلالات، حيث توافق الحوار مع لغة الجسد في التعبير عن المآسي . فالمأساة أقوى من أن تُروى، وعين الرقيب تترصد وتقيّم المواقف. ومع ذلك ، كانت لغة الأجساد المنهكة للبائسين والمتعبين حاضرة من خلال أنينهم الذي يملأ المكان، حيث أعلنوا عن مأساتهم ورغبتهم في الحرية والانعتاق. يتناول العرض قصة ذوات متعددة متمثلة مظهريا بفرقة مسرحية فقدوا التواصل فيما بينهم، حتى انهم فقدوا الإحساس بأي قيمة للحياة، ليصبح التساؤل من القادم المبهم هو العنوان الرئيسي لقصصهم ، ذوات ألقيت جميعآ في فضاء اصطدمت ظاهراتيا عبره بالموضوعات
لقد طرح المؤلف و المخرج على لسان احد الشخصيات المهرجة عبر الحوار المشهدي بان يبدو أننا أصبحنا تحت وطأة مقص الرقيب في جميع جوانب حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. فكل ما يتعارض مع شروط الرقيب يُحذف أو يُعتبر غير مقبول، مما جعلنا مكممي الأفواه، عاجزين عن التعبير عن آرائنا.
والأكثر سوءًا هو أنه إذا تمكنت من تجاوز مقص الرقيب، فإنك قد تواجه انتقادات قاسية وتجريحًا، أو حتى اعتداءً جسديًا، مما قد يجعلك تنسى اسم والدتك التي أنجبتك ! نحن أمة كان مقدرًا لها أن تعيش في ديمقراطية مع الآخرين، بينما تعاني من دكتاتورية داخلية تجاه أفراد شعبها، باستثناء فئة قليلة لا تكاد تُذكر في عالم الدول .
يصف لنا المخرج (ريان القيرواني) بان العرض حلبة بدأت فيها المواجهة بين الخير والشر عبر القيم التي تسعى إلى تعزيز سلوكيات تحمل رسالة سامية للإنسانية، مقابل الرغبات التي تدفع البعض نحو الرذيلة. يسعى الخير وتطبيق الفضيلة جاهدين لإصلاح ما تفسده الذات التي تحمل وعيًا سلبيًا.
فالعرض يفسر عبر رؤية المخرج لظاهرة “المدينة” وسلوكيات معالمها، حيث يدعو إلى الالتزام بالنظام والقوانين وإعادة العمل بها. فقد تزعزع الفساد في مجالات الطب والتعليم والتجارة، بل وحتى في ضمير الناس، من أجل تلبية رغبات الذات التي تأثرت بالحروب والاحتلالات واللامبالاة، مما أدى إلى توجه نحو النفعية بدلاً من المهنية في المدينة.
الذات اصبحت دمية تحركها اذرع السلطة المهيمنة بالخوف والذعر لتصنع منها انسان نصف المعرفة لتكون تابعة لها وتدمير هويتها واهدافها , استندت عملية التلقي إلى الوصف الذي حدده المخرج في العرض، حيث أسس الظاهرة عبر إجراء “الوعي القبلي” الديكارتي، الذي تجلى في سلوكيات المجتمع، مثل انتشار الرشوة والسرقة والتزوير. وقد تم تنظيم هذا المفهوم في صياغة جمالية تكشف عن الظاهرة وتحدد مداها في مختلف فئات المجتمع. كما عمل المخرج على تأسيس الظاهرة من خلال إجراء “الرد المتعالي”، حيث اختزل الزمن والمكان عبر حزمة افتراضية مستمدة من الواقع المعاش، في زمن افتراضي يناقش فيه مشكلة في زمن فيزيائي (عصرية حديثة تتسلل إلى الواقع تحت مسميات نفعية)، مما أدى إلى تآكل القيم الإنسانية.
كما اتضح أن إجراء “البين ذاتية” البونتي كان حاضرًا في تفسير ظاهرة المدينة. وقد تجلى ذلك عبر النتائج التي أفرزها الواقع، بالإضافة إلى ما أسسه المؤلف والمخرج من تجسيد لمشكلات المجتمع. تم ذلك بأسلوب فني جمالي تضمن عدة لوحات تناولت أهم فئات المجتمع وما واجهته من تحديات ومعاناة، في سعيها لتحقيق رغباتها رغم تعارضها مع التشريعات والقوانين .
فرضيآ اعتمد المخرج فكرة التمسرح فأنتجت رؤيويآ بيئة صورها عبر جداران على اليمين واليسار شكلت حيزا متحركا ويمثل الرقيب والسلطة والقانون كلما دعت الشخصية عبر حواراتها نحو الحرية ضاق عليها الجدار الذي يجسد كيف يكون كف السلطة حاكما على آرائها ونواياها اذ تحاول البحث عن الامل والبيئة والهوية والوعي .
كانت الشخصيات في العرض لسان حال الواقع اليومي للمدينة والقيم المجتمعية والانسانية الحالمة نحو تحقيق الامل والتي رغم مأساويتها اضحكت المتلقي عبر سلوكياتها المتمسرحة , لقد حمل العرض لوحات منها اجتماعية وعاطفية وسياسية في ظل نزاع الذات مع الوعي السلبي الذي هيمن على البيئة والثقافة وطرح معاناة الذات بصورة كوميدية تصورها بمزحة (الربيع العربي) الذي اثار فوضى عارمة انجبت سلطة قمعية قاسية تسعى الى استلاب الذات حقوقها وهويتها من اجل مصالح اجندات خارجية .
أدائيا:
اعتمد المخرج خاصية (المحاكاة الساخرة) بعدها أثرا اسلوبيا لمنظومة الأداء, فللمحاكاة الساخرة خاصية الخطاب المزدوج كونها تؤسس علائقية جدلية حوارية بين النص كمنطوق والنص الموازي.
على وفق ذلك وظفت هذه الخاصية في العرض بعدها مولدة للحدث من جانب وتوظف تقانة التورية من جانب اخر وهي أداة تنفيذ أدائية ناتجة عن خاصية (المحاكاة الساخرة ) عمد توظيفها المخرج في بنيته المشهدية فأنتجت معنى مزدوج للحوار الساخر وللحدث بنحو عام, فبانهيار السلسلة الدالة على المعاني والتي تؤلف الجملة البسيطة تصيب ازدواجية بالمدلولات وخلخلة عبر خلق نتاجه تقانة التورية.
إخراجيا :
يوظف المخرج الحدث السارد الأيديولوجي عبر الأداء التهريجي بين الثلاث شخصيات وهي تتحاور في الدقيقة (5.20) في العرض حول أسلوب السلطة القمعية المسيطرة عبر هيمنتها على الحرية الفردية للذات وما تسعى الى ثقافة جديدة تحمل وعي ايجابي للبيئة غير التكرارية في الفكر القمعي السلبي الذي تخافتت به أصوات الهوية العربية بسبب الوعي الدخيل على السياسة الذي أطاح بالذات والبيئة .
في الدقيقة (6,12) الذات حالمة تبحث عن الحب عن الآلفة عن الهوية الضائعة في ركام ظاهرة الضغط الشديد السائد فتحاول التكيف مع الخيال من اجل صناعة المستقبل لكن سلطه الرقيب تنفر بأقطابها الوضع وترفض الاقتران وتدعو الى التشتيت .
يقدم المخرج أسلوبه الرؤيوي للمشهد بصورة بنائه محاولا الانتقاص من يد السلطة ومنهجها المستبد لحقوق الرأي الآخر البناء في الدقيقة (11,5) عبر مايصفه المواطن في يومياته بهذا المشهد بصورة كوميدية ساخرة من الوضع السياسي والاقتصادي والراسمالي الذي اضرم النار في المدينة اقتصاديا اذ يشبه الممثل السلطة بالشابه المتهورة التي تتباها امام عشيقها (الشعب) من اجل ايذائه بشتى الوسائل .
فلسفيا :
خضع المفهوم الدستوبي على الوضع القرائي للعرض مما اتصفت به السلطة من مساؤئ مع الذات (الشعب ) وهيمنتها على خيرات المدينة (البيئة) لتعتلي المشهد أضواء الألوان السوداء والحمراء , كذلك في مشهد حضور المسؤول بالدقيقة (12,10) والجلوس على طاولة المواطن وعدم السماح للمواطن بمجالسته , يدل ذلك على هيمنة السلطة وابتزاز المواطن وامتصاص خيراته وجيوبه عبر الخوف والقمع التي تمارسها المسؤوليات في تونس .
ان الزي التهريجي اعطى دلالات فلسفية للشكل الخارجي للسلطة على انها بهلوان في السيطرة سياسيا على أفكار المواطن وبأساليب كوميدية سريعة أوجزت الأداء واختزلت صورة المعنى العام في المدينة البيئة اليوم والآن التي تعانيها القيم الاجتماعية جراء اضدادها .
لقد صور المخرج واقعة الظروف الاجتماعية في تونس عبر عدة لوحات بلورت معنى الهيمنه للانسان نصف المعرفة العربي الدخيل على السلطة والسياسة وكيف امسى واصبح واقع بلاده ومدينته من متعالية الصوت الى صماء نتيجة القمع والخوف والتهجير والاقصاء.