المسرحيون السوريون يتشابكون مع واقعهم بأعمال جديدة متحررة من الخوف

عرض مسرحي سوري يستعيد سنوات الرعب والخوف التي عاشها السوريون.
شيئا فشيئا بدأت تنتشر العروض المسرحية في مختلف أنحاء سوريا بقوالب مختلفة، سواء تلك العروض التي يقدمها مخرجون محترفون أو عروض الطلبة والهواة، ولكن ما يجمعها هو اشتباكها مع ما يحدث في سوريا بعد سقوط النظام والتحرر من الخوف الذي كان يكبل المسرحيين للتعبير عن واقعهم بحرية.
وتؤكد العروض السورية، على اختلاف مستوياتها، على حيوية الفن المسرحي في تلقي الأحداث والتفاعل معها، وهو ما رأيناه في عرضين قدما مؤخرا بين حمص ودمشق، الأول حمل عنوان “ثورة”، والثاني عرض تخرج لطلبة المعهد العالي للفن المسرحي بدمشق ويحمل عنوان “تغريبة الشتاء الطويل”.
يستعيد العرض المسرحي “ثورة”، الذي استضافته خشبة مسرح دار الثقافة بحمص الخميس، سنوات الرعب والخوف التي عاشها السوريون من التعبير عن آرائهم وحرية الانتقاد، من خلال قصة زوجين يخشيان البوح بما يفكران فيه، مؤكدا في الوقت نفسه وحدة السوريين بكل مكوناتهم وطوائفهم.

المسرحية التي كتبها وأخرجها جود السليمان برعاية مديرية الثقافة بحمص شارك فيها كل من الممثلين جود السليمان وفرح قندقجي وهلا الشيخ وهيلين الحسين، وعرضت فصولاً من معاناة الشعب السوري المعذب الذي كان يعاني استبداد سلطات النظام البائد، حسب حديث كاتب ومخرج العمل جود السليمان.
ولفت السليمان إلى أن المواطن السوري آنذاك كان يعيش تناقضاً صارخا في حياته اليومية، فهو معارض للنظام البائد داخل بيته، بينما كان مكبوتاً ومحروماً من كل حقوقه، ومجبرا على أن يكون مؤيداً للنظام خارج منزله.
وأضاف السليمان “حاولنا من خلال هذه المسرحية أن تكون هناك رسالة للمجتمع السوري بجميع طوائفه من أجل توعيته لبناء هذا البلد، كما يجب أن نقوي هذا المجتمع بالتماسك والمحبة وأن يكون يدا بيد مع بعضه وعدم السماح لأحد بأن يقسمه.”
من جانبها تحدثت الممثلة فرح قندقجي عن دورها في هذه المسرحية؛ إنها مثلت دور المرأة المتزوجة التي تخاف كثيراً من بطش النظام البائد، كونها كانت تعيش تحت سيطرته، كما كانت معتقلة سابقاً لدى أجهزة الأمن، وتعرضت للاغتصاب أثناءها ما سبب لها صدمة عنيفة، وجعلها تخاف البوح بجرحها داخل منزلها أو خارجه، حيث كانت تتعرض للقمع من زوجها حتى لا يعرف قصتها أحد مع تطبيق المثل القائل “الحيطان لها آذان”.
وتخلل المسرحية عرض فيلم وثائقي عن الجرائم التي ارتكبها النظام البائد في مدينة حمص وتدميره للعديد من الأحياء، وإصرار الشعب السوري على الاستمرار بثورته حتى النصر لبناء سوريا الجديدة.
وفي عرض ثان تجاوز الساعتين قدّم طلاب السنة الرابعة في قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية مشروع تخرجهم للعام الدراسي الحالي، تحت عنوان “تغريبة الشتاء الطويل” على خشبة مسرح فواز الساجر “الدائري”.
المسرحية لامست أعماق الحضور بمشاهد صادقة عن معاناة السوريين جراء سياسات الحصار والتجويع، التي اتبعها النظام البائد حيال العديد من المناطق.

المسرحية التي ألفها الطلاب بشكل جماعي وارتجالي، تُظهر الصورة القوية للمرأة السورية، وكيف قاومت الظروف القاسية بكل صبر وشجاعة، مع التركيز على الأمهات اللواتي يعتبرن الخاسرات الوحيدات في الحروب.
العرض اعتمد الأسلوب الواقعي الملحمي في نقل الجمهور إلى قلب المعاناة السورية، حيث الحصار والجوع والدمار، لكنها كانت أيضاً قصة صمود لا مثيل لها. وفي تصريح له أكد المخرج كفاح الخوص، المشرف على العمل، أن مستوى الطلاب كان ممتازاً، مشيرا إلى مرونتهم وحماسهم في أداء أدوارهم.
وأضاف “المسرحية لم يخرجها الطلاب بشكل تقليدي، ودوري كمشرف فني على العرض يهدف إلى تسليط الضوء على قوة الأداء والمحتوى وإعطاء مساحة أكبر للطلاب، فجاءت النتائج رائعة، تدفعنا إلى التفاؤل بمستقبل هذه الدفعة،” معتبرا أن العمل مرآة ورسالة تعكس صمود الإنسان السوري أمام أقسى الظروف.
ويمكننا تصنيف العملين المسرحيين رغم الاختلاف بينهما ضمن المسرح السياسي المعاصر، والذي له أهمية خاصة في التعبير عن الثورة المكبوتة وعن الرغبة في التغيير والإصلاح وتحقيق العدالة، فهو يطرح التساؤلات التي يجب أن يسألها المجتمع في لحظات القهر والقمع السياسيين، وكذلك ينظم ويوضح العواطف الثائرة، لذلك فالمسرح السياسي برز من خلال تجسيد يلجأ إلى الرمز أحيانا والتصريح أحيانا أخرى بالآلام التي يقاسيها المجتمع.
وتبقى وظيفة المسرح السياسي الحقيقية هي أن يسأل الأسئلة التي يجب أن يسألها المجتمع في لحظات القهر والقمع، ولا يجب أن تنتظر منه أن يجيب عن هذه الأسئلة، وإنما عليه فحسب أن يسألها حتى تتخذ شكلا محددا، وما هذا الشكل إلا الرؤيا العميقة الواضحة التي تصاحب ميلادا أو فجرا جديدا.
المصدر : العرب