مقالات

ظاهرة مسرح النجم الملك لير الفخراني انموذجا / د.محمد حسين حبيب

ظاهرة مسرح النجم الملك لير الفخراني انموذجا

يالها من ورطة كبيرة ، لأي ممثل مهما كان مستواه الأدائي او شهرته الفنية ، ان يقف ممثلا على خشبة المسرح – اقول في المسرح خاصة ، لا السينما ولا التلفاز ، وفي ذلك اختلافات واضحة لاداعي لشرحها فهي معروفة ومتداولة لدى الجميع – نعم ان يقف مع نجم مشهور ومحسوم الأمر في ادائه وسمعته الفنية عربيا او عالميا ، يبدو الأمر مجازفة ، او مغامرة على حساب سمعة وأداء ذلك الممثل الذي غامر بابداعه ليواجه( مسرحيا ) وعلى الخشبة مباشرة وامام الجمهور ذلك النجم / الظاهرة ، الراسخة على وفي الساحة الفنية التنافسية المشروعة للجميع .

أسوق هذه المقدمة ، لكي اقف عند عرض مسرحية ( الملك لير ) للمرة الثالثة ، ونجمها الظاهرة ( يحيى الفخراني ) .. العمل من انتاج المسرح القومي المصري ، 2025 م ، وتأليف وليم شكسبير ، واخراج شادي سرور ، بمشاركة نخبة من الممثلين المصريين بتنوع أجيالهم وخبراتهم بين اساتذة وشباب واعدين ..

السؤال : هل تورطوا هؤلاء الممثلين لاسيما المعروفين منهم على صعيد السينما والتلفاز ، والمسرح ايضا ، ووقفوا أمام النجم / الظاهرة ( الفخراني ) لكي يعيشوا لحظات من ورطتهم / مجازفتهم هذه ، بحثا عن الشهرة او المال مثلا ؟ .. بوصف ان هذه التجربة فرصة لهم يحتاجونها في مشوارهم الفني ؟ .. ام انهم كانوا أهلا لهذه المواجهة الادائية المسرحية وهم يتحدون انفسهم إبداعيا لإثبات جدارتهم أمام النجم / الظاهرة ( الفخراني) فيحققون بذلك استقلالية أدائيّة مبهرة تكون بمستوى اداء النجم / الظاهرة ، ان لم تكن تتفوق عليها كثيرا ؟ …

هي اسئلة افترضها هنا ، ساعيا للبحث عن اجابة او اجابات لها ، وفقا لآلية نقدية تجمع الموضوعي مع الذاتي والتي تضع إجاباتها دونما محددات ، وان كانت في خانة اللا متوقع ،  او الصادم ..

فاقول ان عددا من الممثلين هنا في هذا العرض .. لم يكونوا تحت ورطة النجم / الظاهرة .. أبدا .. بل كانوا ضمن التحدي والاستقلالية الادائية التي ينبغي .. بل انهم أفاقوا مستوى اداء النجم / الظاهرة ، في الكثير من محطاتهم المشهدية ،  اداء وتحولا وصدقا وانتماء وتقمصا .. وبرعوا كثيرا في التعبير عن طاقتهم التمثيلية المائزة في هذا العرض .. بل انهم – وبدون تخطيط من عندهم  – جعلوا من النجم / الظاهرة ، محطة عبور لايصال براعتهم للناس ، الأمر الذي جعلوا الناس في موقف دهشة جمالية خلاقة ازاء ماقدموه من جهد ابداعي ملفت للنظر ، على العكس مما قدمه النجم / الظاهرة ، من اداء تقليدي مفضوح في الكثير من مشاهده لاسيما في الفصل الاول من العرض .. إلا انه انماز في المشهد الأخير ( مشهد الموت ) بإحساس أدائي عالي وفقا لما تقتضيه اللحظة الدرامية الانفعالية ضمن سياق النص والعرض معا .

نعم ، عودا للحديث عن المختلفين ادائيا في هذا العرض فاقول : أتحدث هنا عن الفصل الثاني من العرض ، الذي كان فصلا مختلفا تماما عن ( الفصل الاول الذي هيمنت عليه التقليدية الطرازية كثيرا ، ) بينما جاء الفصل الثاني بصور متعددة إخراجيا ففيه الكثير من ملامح التجريب والحداثة والتكثيف الكامنة في المشاهد الصورية والسمعية  والادائية بحكم التحولات المنظرية بجمالياتها الصورية والصوتية ، الأمر الذي جعلنا نعيش جوا إيقاعيا مغايرا ومشدودا ومنضبطا بدقة تحولاته الجمالية بل وحتى الفكرية الفلسفية بمجمل اسقاطاته للواقع المعاش عربيا وعالميا / انسانيا .

هؤلاء الممثلين والذي سقت عنهم قاصدا لهم ، هذه السطور المتواضعة بشأنهم هم : ( طارق الدسوقي ، و حسن يوسف ، و احمد عثمان ، و إيمان رجائي ، و امل عبد الله ، و لقاء علي ، و طارق شرف ، و محمد العزايزي ، و عادل خلف ، و محمد حسن . ) … لقد تحدوا ونجحوا وتجاوزوا تلك ( الورطة) التي قد وقع او سيقع فيها اخرين الان او مستقبلا .. وعلى سبيل المثال اذكر لكم ومن التاريخ المسرحي المصري نفسه : عمر الحريري الذي حافظ على استقلاليته الادائية حين وقف متحديا ل ( عادل إمام ) وفي اكثر من عرض ، كذا الحال عند ( شيرين ) في انطلاقتها الفنية مع ( سمير غانم ) او ( احمد زكي ) حين وقف مع ( عادل إمام ) مرة ومع ( سعيد صالح ) مرة اخرى ، وأمثلة اخرى عديدة .

من الثابت والمؤكد أنني لا ابخس هنا حق النجم / الظاهرة ( الفخراني ) من عطائه الإبداعي المتدفق بحضوره وخبرته وشهرته.. لاسيما أنني كمتابع له او شغوف به وبتاريخه الفني الحافل بالتميز كثيرا ، وانتمي لكل ماقدمه هذا الكبير العملاق .. إلا أنني بوصفي ناقدا مسرحيا  متواضعا حتمت علي الضرورة والمسؤولية النقدية كي اسطر لكم سطوري هذه بحيادية تامة معبرا عما جال في خلجاتي ووجداني منذ يوم مشاهدة عرض ( الملك لير الفخراني ) والذي سافرت له من العراق إلى القاهرة خصيصا لكي احضره واشاهده متمتعا – بعد كل الذي سطرته لكم – متمتعا بهذه السينوغرافيا الخلاقة جدا وبهذه المؤثرات الموسيقية التي تنفعل بالحدث وتتداخل معه للنخاع .. نعم لقد مرت الثلاث ساعات زمن العرض وكأنها ثلاثة دقائق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى