ايام قرطاج المسرحية

منتدى أيام قرطاج المسرحية منصة للحوار تطل على حاضر المسرح ومستقبله

منتدى أيام قرطاج المسرحية منصة للحوار تطل على حاضر المسرح ومستقبله

د. رياض موسى سكران

يعد “المنتدى المسرحي” الملمح الأبرز من ملامح “أيام قرطاج المسرحية” في دورتها 26، إذ فتحت الفضاءات الحوارية بين المشاركين والجمهور أفقاً جديداً للتجلي المعرفي والثقافي في هذه “الأيام”، حيث ارتأت إدارة هذه الدورة من أيام قرطاج، إقامة منتدى مسرحي دولي تحت عنوان “الفنان المسرحي: زمنه وأعماله”.

ويهدف المنتدى إلى جمع كتاب مسرحيين ومخرجين وأكاديميين في مجالات المسرح والفنون والعلوم الإنسانية والاجتماعية من تونس ومختلف أنحاء العالم، سعياً إلى خلق فضاء تفاعلي حي تتقاطع فيه رؤى الفنان المسرحي والناقد والباحث والمفكر.

منصة للحوار

يعد المنتدى المسرحي الدولي، فرصة لتبادل التجارب والشهادات الحية والمعارف ووجهات النظر، بهدف التفكير المشترك والتساؤل العميق حول مكانة الفن المسرحي، من خلال محورين متكاملين: في التجربة الذاتية والعملية للفنان باعتباره شاهداً على زمنه، وفي سعيه لمواجهة تحديات تموضعه الفعال داخل السياق الاجتماعي.

وعبر “منصة المنتدى” قدمت قراءات وشهادات ورؤى، رسمت ملامح الواقع الراهن للثقافة المسرحية، وعكست صورتها الناصعة وحضورها المؤثر، حيث تناغمت الأصوات النقدية وتحاورت مع رؤى المخرجين، عبر فضاء معرفي بناء، تحقق في ندوات المنتدى العديدة، التي استضافت عددا من رجال المسرح وأعلام الفكر والشخصيات الفاعلة في تشكيل خارطة الثقافة المسرحية المعاصرة، حتى غدت ندوات المنتدى تمثل فعلاً ثقافياً وفكرياً مغايراً لكل الأنماط التقليدية المكرورة والسائدة.

دعيت للمشاركة والحضور في ندوات هذا العام نخبة كبيرة من ألمع المفكرين والمسرحيين وأصحاب التجارب وأساتذة الجامعات، ليتشكل عبر حوارهم ذلك الفضاء الذي طالما حلم به المسرحي العربي، إذ صار المسرحي يفكر بصوت مسموع في فضاء حر ومنفتح على الآخر، دون توجس أو قلق أو اضطراب أو تشنج، حتى وإن اختلفت الرؤى وتباينت الأفكار، فهذا أمر طبيعي، بل إنه صار يعد سمة من سمات “منصة” الندوات الفكرية لأيام قرطاج، وهي تكرس لثقافة المغاير المتجدد والمختلف المحدث والمتنوع داخل الوحدة، ضمن إطار لوحة فسيفسائية تتسع لكل الرؤى والأفكار والمواقف.

هكذا جاءت وتواصلت أعمال هذا “المنتدى” كواحدة من عديد الوعود التي راهنت عليها الهيئات المديرة لأيام قرطاج، منذ الانطلاقة الأولى لدورات أيام قرطاج، فكان رهاناً فائزاً، إذ استطاعت “منصة قرطاج” أن تسجل حضوراً لافتاً في الفكر المسرحي العربي، وها هي تختتم دورتها السادسة والعشرين محققة ما جاءت من أجله وما رسمت له وما خططت لتحقيقه.

نجحت الأيام في أن تنفتح على مجمل مفاصل الإبداع المسرحي الجديد، وفي اجتراح مفهومات وبلورة أفكار وتشكيل رؤى كان لها أثر عميق في تحديد اتجاه بوصلة الفكر المسرحي العربي وتكريس التوجهات وإنضاج المعارف ورسم مسارات خارطة فكرية، وتشكلت ملامحها التجديدية عبر محاور هذه المنصة مثل: “المسرح والمدينة/ المسرح والحداثة/ مسرح ما بعد الدراما/ المسرح والجمهور…” لترصد مؤخرا مسألة “الفنان المسرحي: زمنه وأعماله”.

لعل الطابع الذي طبع “منصة” أيام قرطاج السادسة والعشرين بطابعه، هو الوفاء للنهج الذي انطلقت مسيرة الأيام من أجله، فها هي تكمل دورتها الجديدة وهي تواصل ذات النهج الذي جاءت من أجله، وسارت بثقة لتحقيق هدفها في رصد واستقراء ومتابعة المنجز والمتحقق من التجارب في مشهد الإبداع المسرحي العالمي والعربي، ومحاورة الراهن، ووضعه في مختبر تحليل التجربة وتقييم مخرجاتها، فضلاً عن الاحتفاء بهذا المنجز من خلال وضعه في دائرة الضوء عبر “منصة الندوات الفكرية”.

كما تمثل منصة المنتدى امتداداً لما حققته الندوات الفكرية لمجمل دورات أيام قرطاج التي صار كل مسرحي يترقب إقامتها وينتظرها بحماسة وشغف، لا بوصف ما يقدم عبر هذه المنصة من مادة تستوفي الشروط  الموضوعية والفنية فحسب، بل بما ينبغي أن تنطوي عليه هذه المادة أو تلك من استقراء متجدد ورؤية محدثة وابتكار متأصل وعمق متفرد وصدقية موضوعية، تتعاضد عضوياً، ليس مع ما هو متحقق من فعل إبداعي فحسب، بل بما ينبغي أن يتحقق.

ويكشف هذا التوجه عن خصوصية الرؤية في مجمل الخطاب الإبداعي، ويثبت لهذه الرؤية فرادتها وتلك التجربة خصوصيتها وذاك الخطاب صداه المؤثر، وهذا ما جعل من الأفق الذي تتحرك في مداراته “منصة قرطاج” ينفتح على مجمل حقول الفكر وتجليات الفلسفة وفضاءات النقد، وعلى كل أقانيم المعرفة الإنسانية والآفاق الجمالية، بعد توفر شرط الإبداع فيها أساساً لا بديل أو غنى عنه.

التفكير بصوت عال

الحقيقة الساطعة هي أن حراك المسرح العربي يمر اليوم بمرحلة من أخصب مراحل تجلياته الإبداعية، لأن “منصة قرطاج” هي التي وجهت بوصلة اتجاهاته الفكرية، وفتحت الفضاء التنويري على مجمل الرؤى الفكرية والمسرحية والأكاديمية، من كل الجامعات العربية والعالمية، ومن مختلف الأجيال، ومن شتى بقاع الأرض، ومن كل روافد المعرفة، ومن مجمل حقول الإبداع، يلتقون في حوار للرؤى وتلاقح للأفكار وجدل للمعرفة وبوح للمواقف، والجميع يفكر بصوت عال وجرأة وحرية.

تحتضن “منصة قرطاج” وتحترم كل المواقف والأفكار والتصورات، وتدخلها في مختبرها الذي تنصهر فيه وتتفاعل، لتنتج خطاباً جمالياً يحمل عمقه وصدق انتمائه، ليمتد الحوار إلى عمق يصل إلى شتى طبقات الإبداع وحفريات المعرفة وتجليات الرؤى.

هذا ما جاءت به ومن أجله “منصة قرطاج” وهذا ما تواصلت معه وفيه، وهي تسعى للتأكيد عليه وعملت على ترسيخه، وما زالت تصر على البوح به بعدما تبنت الانفتاح على الجميع منهجاً ورؤيةً وبرنامج عمل، ليتواصل بذلك نهج “أيام قرطاج المسرحية” ورسالتها في الوفاء لكل الأجيال والأسماء والتجارب والرؤى، فلا تضع لمشروعاتها هدفاً سوى الهدف الذي يتفق الجميع في السعي إليه والعمل على تحقيقه، وهو الإبداع أولا وأخيرا.

من هنا فإن “منصة المنتدى” جاءت لتكرس ثقافة الحوار والتواصل، والتي من خلالها ندخل بثقة إلى مسرح المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى