قراءة نقدية في نص الغرباء للطيب الوزاني

قراءة نقدية في نص الغرباء للطيب الوزاني
عزيز ريان
الكتابة الملحمية عند الطيب الوزاني وأسس كسر المسرح الأرسطي لمتلقي واعي
أو الحكاية الممكنة لجماليات الهشاشة في أصوات الاغتراب المتعددة في نص الغرباء للطيب الوزاني 1
فهرس:
بوابة الدخول:عتبة النص:لكل مدخل باب ولكل باب عتبة-باب العبور-قلب الرحلة-العتبة الدرامية:لغة شاعرية تنصت للسكوت-مكونات الفضاء
المسرحي-الشخصيات-الحوار-السرد-الراوي-الاسترجاع في المسرح فلاش باك-الارشادات-لازمة شعرية زجلية-الاغتراب-التغريب-العنصر
التغريبي-تغريب المثقف-مقارنة بين المسرح الملحمي والمسرح الأرسطي-ما عيب عن بريخت-خروج الرحلة أو نافذة الإغاثة
نص:الغرباء ليس مجرّد حكاية تُروى على الورق أو فوق الخشبة، بل هو رحلة سفر تُسَلَّم للمتلقي بلا
تأشيرة، وبلا ضمانات، سوى أن يعبر باب الاغتراب ويستعدّ لاهتزازات المعنى كما لو كان داخل طائرة
تغيّر ارتفاعها كل خمس دقائق..أيها الحضور قال الراوي على حافة مقاعدك.أرحب بكم في هذا العالم
الذي ولد من نص الغرباء للطيب الوزاني حيث ستعيشونه معي لحظة بلحظة.لا تبحثوا عن سبب ذلك
ولا تسألوا إلا عن الطريق الصحيح.فالنص لا وجود له إلا على الورق وينتظر العرض.هو هنا بين
أنفاس القارىء وبين الكاتب.خذوا مقاعدكم،واربطوا خيالكم،واستعدوا جيدا لأن تُسألوا قبل أن تجيبوا،أن
تشعروا قبل أن تفهموا..من بين براثن الوحدة القاتلة يندفع صدى لرجل غريب يلازم غريبة. الغريب
على شكل الغرباء الذي هو موضوع احتفالنا اليوم.يسترجع غربته وتغريبه تحت ظلال طفولية تلهث
لالتقاط سيلفي مع ظلال الاغتراب.
بوابة الدخول:

مطبعة الحمامة مدينة تطوان
عتبة النص:لكل مدخل باب ولكل باب عتبة: حين يسافر العنوان قبل النص:عنوان العمل، “الغرباء”، لا
يُخفي شيئاً. يُعلن غايته منذ اللحظة الأولى:الغربة… ولكن أيّة غربة؟ ومن هم الغرباء؟يشير النص إذن
لسؤال الغربة بوضوح.
أما فصول المسرحية فتحمل عناوين ذات وظيفة تفسيرية تمهّد للقراءة، وتمنح القارىء خريطة طريق
درامية، فيتعرّف إلى كل محطة قبل أن يصل إليها، دون أن يفقد مفاجأتها.
وغلاف النص من تصميم المؤلف نفسه، هو امتداد بصريّ لمناخ التشتت، والأقنعة، والتمزق الداخلي؛
عالم فيه الفرد يصير ظلًا لصوته. الإهداء يمرّر به المؤلف رسائل مبطنة، فيها حميمية مسرحية وأسماء
وملامح وألقاب لصديقه رضوان احدادو (“ساحر… فارس… يراع…”)، مما يعكس طبيعة العمل
بوصفه صدى لعلاقة طويلة مع المسرح ومع رجاله.
باب العبور – قلب الرحلة:نصل الآن إلى قلب الرحلة… إلى الممرّ الذي يتلاشى فيه الحدّ بين الراوي
والشخصية، بين المتفرّج والمشهد، بين الحكاية وما وراء الحكاية.هنا، في هذا الباب، تتقدّم اللغة
الشاعرية لتقود سفينة النص.لغةٌ لا تحكي فقط، بل تتنهّد، وتتعثر، وتنهض من جديد. نصّ الغرباء ليس
قصة واحدة، بل قصتان تتشابهان بقدر ما تتنافران.مرآتان متقابلتان، كل واحدة منهما تُظهر ظلّ
1 – أعدت القراءة لنص الغرباء بمناسبة حفل توقيع العمل بمشروع توطين جمعية مسرح المدينة الصغيرة بشفشاون بالمركز الثقافي الفنيدق لموسم
2025
الأخرى.في هذا العبور، يطلّ الراوي بوصفه المُعلّم والجسر، وتدخل الشاشة التفاعلية لتربك
الزمن،فنصير بين ماضٍ يسترجع نفسه بقوّة، وحاضرٍ يتقدّم بسرعة تخلق غربتنا المعاصرة.إنها محطة
الاغتراب. وحدةٌ تلتهم المسافات، سلطةٌ تتربّص بالبيوت، وفنانٌ ومثقفٌ يركضان خلف معنى يتبخّر. بين
كل هذه الأصوات… يعلو صوتٌ واحد: أن تكون غريبًا لا يعني أن تكون بعيدًا، بل يعني ألا تجد مكانك
حتى وأنت في قلب المكان.
العتبة الدرامية: لغة شاعرية تُنصت للسكوت:يتموقع النص على تخوم الشعر والحكاية. ليس شعراً
مقعّداً ولا حكاية تقليدية، بل خليط مسرحي يتكوّن من:لغة شاعرية رائقة،شاعرية الاغتراب،تقنية
الاسترجاع (فلاش باك)،راوي يشكّل جسراً سيميائياً بين الفصول،شاشة تفاعلية تُدخل الزمن التقني إلى
الزمن النفسي،شعر عامي يقدّم الرواية الأخرى على شكل حكم،توتر الشخصيات،صمتٌ يصرخ أكثر
مما يتكلم.
لا غرابة إذن أن يفتتح النص نفسه بتقديم صريح للراوي وهو يسائلنا ويسائل الحكي والحكايات.هنا يضع
المؤلف متلقيه أمام لعبة مرايا:ما نراه ليس ما نسمعه، وما نسمعه ليس ما نحسه.إنه بطل بلا بطولة، وبلا
يقين… وهذا في حد ذاته تعريف ضروري للاغتراب.حتى وإن تكررت الحكايات.أو تشابهت.
مكونات الفضاء المسرحي:دلالات الفضاء المسرحي الرمزية:ليس كونه مجرد مكان. بل يكون محملا
بدلالات متعددة تكون طبقية اجتماعية ونفسية وأخلاقية بناء على التصميم واستخدام العناصر المختلفة
الأخرى.فضاء درامي: عالم رسمه النص المسرحي من خلال الحكاية المروية:فضاء الصراع. في
الأدب وفي النص المسرحي المتكوب الذي بين ايدينا:الفضاء له بعده المكاني من خلال عملية
التخييل،تخييل افتراضي لا واقعي.فضاء الخشبة: فضاء متخيل مصور من طرف النص ويجب أن
يستشف أبعاده من خلال رؤية إخراجية في كل عمل مسرحي.فضاء نص الغرباء محمل بتعدد الدلالات
ويغري بتصورات إخراجية غزيرة.
إن موضوعة الفضاء عند كاتبنا الوزاني هي موضوعة تسبب الفصل بين النص والعرض الفضاء
وطريقة تشكله(السينوغرافيا كاملة) وهو المكان الذي يخلق الثغرات في النص المسرحي التي تكون
ارشاداته خطوة أولى للاخراج الفضائي.يشكل الفضاء الدرامي في نص الوزاني موضوع الدراسة وفقا
لتوجيهاته الزمانية والمكانية حيث يكرر الطيب انتقالات مكانية محدودة عبر فضاءات ثلاث درامية
متنوعة(الدار،المقهى،دار المسنين) ليعمم تجربة اجتماعية مكررة.لكن الانسان هو المتغير،و يبني الكاتب
فضاء دراميا متحولا باستمرار ويتداخل فيه الزمن وتمتد المكانية إلى مستويات متعددة،ويصبح المكان
تيمة الاغتراب بالنص،مرآة تعكس صراعات وعزلة كل طبقات النص الإنسانية.
الشخصيات:بناء الشخصيات: 14 شخصية مختلفة الأبعاد:للشخصيات بنص الطيب الوزاني القدرة على
التفاعل مع الأحداث عبر الحوار،والتجسيد المادي والاجتماعي والنفسي والتطور عبر الأحداث،ومواجهة
الصراعات والتحديات.مما يجعلها واقعية ومعقدة وقادرة على إثارة تفاعل الجمهور مع القضايا
المطروحة. الشخصية أساس العمل المسرحي هي كائن يتفاعل عبر لغة بصرية ولفظية ليقدم الموضوع
ويحقق الهدف الدرامي.
أساسيات بناء الشخصيات:لها دور فعال في التجسيد المادي والاجتماعي والنفسي (الأبعاد
الثلاث)،والحوار والتفاعل،والتطور والنمو،والصراع والتحديات،القيم والمعتقدات.
أنواع الشخصيات بنصنا:شخصيات بسيطة أي نمطية واضح ومحدد سلوكها غالبا تكون
ثانوية.وشخصيات معقدة أبعادها متعددة غالبا ما تكون محورية.لنلق نظرة على شخصية الأعمى مثلا.أي
عمى يقصد المؤلف؟كيف طرح تيمة البصر والبصيرة بشكل مؤلم لهذا العصر المتسارع 2 .
بناء الشخصيات يحتاج إلى كاتب متمرس(مثل الطيب الوزاني) الذي يستطيع اخراجها من إطارها
الواقعي لتكون منسجمة مع الأحداث التي تقدم على الخشبة. له قدرة على بنائها فنيا يراعي تطورها مع
عناصر الزمن والحدث المسرحي.
الحوار:أشكاله:الحوار الخارجي بين الشخوص.والحوار الداخلي: المناجاة:(أي شخص مع نفسه،يكشف
أفكاره ومشاعره) كما في:فامة: لو كنت رجلا لما كنت على هذا هذا الحال.لما يا إلهي خلقتني أنثى(نص
الغرباء ص:25).الحوار الجانبي: حوار صامت لا يسمعه باقي الشخصيات على المسرح ويعبر عن
مشاعر داخلية في موقف معين.الحوار الموجه للجمهوركما في ص:22:يسأل الراوي مثلا:هل سبق لكم
أن سمعتم بحكاية الغريب؟).
للحوار بنص الغرباء وظائف أهمها:تطوير الاحداث،بناء الشخصيات،خلق الجو المسرحي،التواصل.
ومن مميزات الحوار عند الطيب:أنه سهل وطبيعي (لاتكلف ولا افتعال فيه)،مناسب للشخصية اجتماعيا
وثقافيا،وموجز ومعبر:اقتصاد في الكلمات يؤدي معنى واضح وموجز،عليه أن يكون مليئا
بالحيوية:مشوق، فيه تباين وتنوع.وشاعري يصل لكل الفئات.
السرد:يعتبر السرد العمود الأساسي للفن الدرامي،بمثابة وسيط تنتقل عبره الأحداث وتبنى الشخصيات
وتتحرك العواطف.قيمة السرد الذي يحضر بشكل قوي بنص الغرباء:بناء المعنى وتوجيه المتلقي.التحكم
في الزمن الدرامي:قفز في الزمن،استرجاع استباق،ابطاء الإيقاع أو تسريعه.تقديم خلفيات الشخصيات
وبناء عمقها(عن طريق كشف ما في الشخصيات وشرح مواقفها،إظهار تحولاتها الداخلية).بدون سرد
في مثل هكذا نصوص الشخصيات تكون غير مقنعة ومسطحة. هي التي تخلق التوتر والانتظار.تقوم
بتعزيز الجمالية والخيال. تساهم في القرب من المتلقي خصوصا في المسرح الملحمي،الحكواتي،المسرح
السردي المعاصر حيث يصبح الراوي شخصية تتفاعل مباشرة مع المتلقي وتحفزه على التفكير.إعادة
بناء الواقع أو نقده:عبر إعادة تشكيل واقع المجتمع،فضح التناقضات،نقد الظواهر أو طرح أسئلة عميقة.
عند الطيب الوزاني نوع من السرد الواعي وليس مجرد حكاية يتحكم في ايقاعه بذكاء وفهم لكل تفاصيل
النص.
الراوي:بنص الغرباء الراوي هو البطل بشكل ما وله قيمة مركزية،وليس أداة تقنية لسرد الأحداث فقط
بل كعنصر جمالي وفكري يوجه المتلقي نحو الوعي والفهم النقدي،دوره يتجاوز الحكي ليصبح وظيفة
درامية وفكرية وجمالية في آن واحد.أهم قيم وجماليات حضور الراوي:أولا:له قيمة درامية
وفكرية:تحرير المتفرج من الاندماج العاطفي(يكسر الانغماس أي يعيد المتلقي للتأمل لا للانفعال،خلق
المسافة أو التغريب: لمنع التعاطف السلبي،أي تشجيع على التحليل،توجيه المتلقي نحو الفكرة،كشف
البناء المسرحي لجعل المتلقي واعي بعملية الصنع الفني وهو وعي نقدي يساعد على ادراك الاديولوجيا
خلف الأحداث،تنويع مستويات السرد(قد يلخص الأحداث ويعلق عليها ناقدا،توقعات مستقبلية،مفارقات
ومقارنات)نص الغرباء له بعد فكري متعدد.ثانيا:للراوي جمالية خاصة:جمالية كسر الوهم،جمالية النقد
الصوتي،جمالية اللغة المباشرة والتحريضية(لغة واضحة،مباشرة نقدية،ساحرة) كل هذا يمنح النص طاقة
خاصة،إيقاع النص(هو منظم للايقاع:يفتح مشهدا،أو يوقف آخر أو يسرع الإيقاع أو يبطئه،أو يكمله.لهذا
هو عنصر جمالي يضمن انسجام البناء الملحمي)جمالية التفاعل الحي مع المتلقي(الراوي
يسأل،يعلق،يوجه)
2 – ( الأعمى: العمى جزيرة أيضا،عنوانها”غربة مدى الحياة.سها:كان عليك أن توهم نفسك انك ملك بمملكة عماك فما أسهل الاغتراب في
عظمة وهمية لا يراها إلا صاحبها. يختم الأعمى النص:أنا الأعمى،اراكم من حيث أنا،اراكم من خلف سواد،أقول لكل الغرباء…(صخب وضياع
صوته)
من النص المدروس:الغرباء
الاسترجاع في المسرح فلاش باك:هي تقنية درامية للعودة إلى حدث وقع في الماضي من أجل توضيح
سياق معين أو كشف خلفيات الشخصيات أو تفسير سبب حدوث موقف ما في الزمن الحاضر داخل
النص المسرحي.لماذا استخدم كاتبنا الاسترجاع:لأن وظائفه الدرامية مهمة مثل:تفسير دوافع
الشخصيات،تعميق بناء الحبكة(عرض معلومات لا يمكن عرضها في الزمن الحاضر)،خلق التوتر
والتشويق عبر الكشف عن أسرار ما تدريجيا،إظهار تطور الشخصية عبر المقارنة بين الماضي
والحاضر.
الارشادات:يساهم في تكسير الايهام المسرحي،توجه المتلقي نحو الفكرة،تدير الإيقاع الدرامي،يخلق
وضوح معرفي،تعزز التفاعل العقلاني،أمثلة:شاشة عرض،تعليق الراوي،تحليل وليس حكاية،عناوين
المشاهد داخل النص،عنوان تحليل سياسي واجتماعي،شعر عامي أو أغنية لتعليق أو تفسير أو تأكيد لا
لخلق عاطفة،تعليق فكري.
لازمة شعرية زجلية:وظفت بالنص المسرحي لكسر الايهام،خلق مسافة نقدية،تنظيم الفكرة داخل
النص،وظيفتها تغريبية واضحة:(تكرار لفظة غريب وبراني يكسر الانسياق العاطفي ويعيد المتلقي إلى
الفكرة الأساسية:الغربة،يقوم بتلخيص الفكرة العامة:كلما تكررت الجملة كلما تعمق المعنى الفكري،كما
خلق إيقاعا ملحميا:تنظيم الإيقاع دراميا،وله دور في تعميق البعد الرمزي:تكرار اللازمة لتحول إلى رمز
ويبدأ المتلقي بربطها تلقائيا بالرسالة الأساسية للنص،كما يمكن اعتبارها وسيلة للسخرية عبر إظهار
التناقض الاجتماعي والعبث السياسي،وتثبيت الوعي لدى المتلقي /بنية تعليمية أو إيديولجية ليذكره
بالزاوية التي يجب أن ينظر منها للأحداث،والربط بين المشاهد داخل البناء الملحمي:نصنا اليوم لا يعتمد
حبكة خطية،اللازمة تساعد خلق رابط فكري بين المشاهد المتفرقة.
الاغتراب:أدبيا وفلسفيا:هو شعور الفرد بالعزلة،والإنفصال عن ذاته والعناصر المحيطة به،أي أن
الإنسان ينفصل عن جوهره،ويشعر بالغربة وهو موجود بين الناس،ويعجز عن إيجاد معنى حقيقي
للأحداث اليومية وتفاصيل الحياة،نتيجة أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية.أسباب الاغتراب:فقدان القيم
الروحية،التغييرات الاجتماعية السريعة،ضغوط الحياة الحديثة،الابتعاد عن الطبيعة.شاعرية الاغتراب لها
طابع وجودي عميق حيث تظهر كأزمة هوية وانتماء وتطرح الذات المغتربة كسؤال فلسفي مفتوح على
الاحتمالات الوجودية.
تناول الفلاسفة ظاهرة الاغتراب:حددوا المفهوم ومولداتها المخلتفة،طرحوا الحلول النظرية والعملية
لتجاوزها.يتعقد الاغتراب بتقدم المجتمعات البشرية وتطورها. إذ الاغتراب يتضخم ويتشعب كلما تعقدت
المجتمعات البشرية وتطورت.نستطيع القول إن كل المعاني الفلسفية الحديثة تقريبا لمصطح الاغتراب
تدور حول محور واحد وهو الانفصال.في حين علم الاجتماع يعتبرها ظاهرة عالمية تكشف عن انخلاع
الانسان وابتعاده عن الواقع المعيش الذي يحكمه الممارسات الشاذة والمستبدة.هو وسيلة لفضح تناقضات
المجتمع الغربي وعلاقاته الاستغلالية.أما علم النفس يعتبره سلوك مرضي يشعر فيه الفرد بانفصاله
وانسلاخه عن ذاته.الفرد يرى نفسه غريبا عنه أي يصير منفصلا عن ذاته.أما بريخت:يراه مرض خطير
رافق تطور المجتمع الرأسمالي،استعمله كتنيك مسرحي.إذن،ظاهرة الاغتراب ليس نتاج لفرد معين
وليس وليدة هذا العصر بالذات،بل تضرب بجذورها في عمق التاريخ.ويتخذ ثلاث صور:اغتراب
الانسان عن وطنه وأهله،اغتراب الانسان عن مجتمعه والذي يحيا فيه،اغتراب الانسان عن ذاته:توتر
وقلق..،تحكم الآلة والمادة في الانسان.(كلها بالنص مجتمعة عبر شخوص مغتربة)
الاغتراب ليس ذو طابع سلبي دائما.بل وسيلة هامة لفضح التناقضات الاقتصادية الاجتماعية وكشف
الممارسات السياسية الشاذة والمستبدة في المجتمع الرأسمالي خصوصا.إذن كُتب كثيرا عن الاغترب
وتضاربت الآراء عنه.ولازال يعاني اللبس والغموض في العلوم الإنسانية.وربما كان ذلك أمرا طبيعيا.إذ
من العسير تحديد المفهومات الأساسية تحديدا دقيقا وتعريفها تعريفا جامعا مانعا نهائيا.
بالغرباء ملمح المسرح الملحمي الذي عرفناه عند بريخت:والذي أعطى أهمية للجمهور.حيث المشاهد
مشارك فعال في العرض المسرحي.وليس مجرد مستهلك بل منتج. والعرض بدونه نصف عرض لهذا
يطمح بريخت والطيب الوزاني إلى جمهور واعي لا يطلب المتعة فحسب بل التعلم والتنبه. يتوجه الى
الافراد المقهورين لأنهم يعيشون حياة صعبة أي في عزلة عن الواقع.
يرفض بريخت المسرح الايهامي(يراه تخذير)،رفض الوظيفة التطهيرية للمسرح،لأن التطهير ينزع من
المتلقي نزعة الثورة على الأوضاع والعقائد على الظالمين والفاسدين والغربة في التغيير.كسر الجدار
الرابع والدعوة لمشاركة المتلقي،رفض مسرح البطولة الفردية(مسرح الجماعة)
التغريب:هي فلسفة فنية تجعل الأشياء المألوفة قابل للمساءلة.جعل المألوف غريبا المتلقي حيث يراها
بطريقة غير اعتيادية ليحللها بدل قبولها كما هي.يهدف التغريب:الارباك أو الغرابة لأجل الغرابة:اثارة
التفكير،كشف التناقضات الاجتماعية،منع الجمهور من التماهي العاطفي،دفعه للحكم النقدي على الواقع. 3
التغريب منتقنيات المسرح التغريبي الملمحي:جمهور واعي بواقعه كي يسعى لتغييره.التغريب في
المسرح ظهر مع الألماني بريشت:التغريب هو جعل المألوف غريبا.
العنصر التغريبي: تقنية مسرحية تجعل المتلقي يشعر بأن ما يشاهد ويقرأه ليس واقعا،بل يمثل متعمد
وظيفته كسر الاندماج العاطفي وإعادة المتلقي إلى حالة التفكير الواعي بدل الانغماس الوجداني.بنص
الغرباء العنصر التغريبي أداة لخلق مسافة بين المتلقي والأحداث،أمثلة: تعليق الراوي على الأحداث
مباشرة،إيقاف المشهد فجأة لكسر الانغماس،خروج الممثل من الشخصية ويتفاعل كممثل.
تغريب المثقف:هي طريقة لا تظهر المثقف مالك المعرفة والوعي والخطاب الفكري ولا تظهره بطلا
مخلصا او مرجعا نهائيا للحقيقة،بل قدم عند الوزاني بطريقة تغريبية تجعل القارىء ينظر إليه نقديا،لا
بانبهار أو تبجيل. تغريب المثقف عن طريق جعل صورته غير مطلقة مكشوفة مفككة حتى يدرسها
المتلقي بعقل نقدي.ويزيل عنه القداسة.يقدم المثقف كإنسان له حدوده وتناقضات(ليس مصدر حكمة
مطلقة)خطابه معروض بوعي يجعله قابل للنقد والكسر. يوضع في سياق تاريخي واجتماعي ولا كفرد
خارق عبقري.لماذا يغرب المثقف؟لمنع المتلقي من الانبهار بالخطاب النخبوي كما أراد بريخت،ولكشف
تناقضاته :قد يخضع للسلطة،ويبرر الظلم،قد ينحاز للأغنى..يغرب المثقف لخلق مسافة بين أفكار المثقف
والمتلقي،ولتحويله من قائد إلى موضوع تحليل:كما يفعل يرشت مع كل الشخصيات التي تمثل السلطة
المعرفية أو الأخلاقية.
حين يتكلم المثقف… بينما العالم يسير،في لحظة شديدة السخرية، يقول النص:”هكذا هي طبيعة
المثقفين… يتكلمون، يتكلمون، يتكلمون… والعالم يسير، يسير، يسير.”إنها خلاصة الواقع:ليس
الاغتراب حالة نفسية فقط، بل وضع ثقافي يواجه فيه المثقف سرعة العالم الخارجي بعجز أدواته.الكاتب
هنا لا يهاجم المثقف، بل يكشف هشاشته، تلك الهشاشة التي تجعل الحكاية كلها ممكنة. 4
3 – مثال:الغربة الاغتراب قالت الغريبة في نص الغرباء: ص: 25 أبواب المنازل هي نفسها..لا.بل شحب لونها،واضطرت أخاديد خصبها..مثلي
أنا شحب لوني وعز البياض شعر راسي..وقالت ص:23 :تغيرت صورتي،وتغيرت ملامحي،وتغير النا من حولي.كل السبل المؤدية إلى الوحدة
سلكت غريبا.ها،تعب تعبت يا وحدتي.
4 – نموذج تغريب المثقف:وهؤلاء الفنانون يقول الراوي الغرباء ص:68:لم لا نواجه بعضهم بالحقيقة…أنا قلت بعضهم وليس جميع الفنانين.
مقارنة بين المسرح الملحمي والمسرح الأرسطي:المسرح الملحمي يعتمد السرد،يحول المتفرج لمراقب
للحدث،يثير قدرة الانسان على الفعل،يدفع المتفرج إلى اتخاذ قرارات إزاء ما يحدث،الحكم عليه،يقدم
للمتفرج صورة للعالم يتأملها عقليا،يسعى لمواجهة المتفرج بالأحداث مواجهة موضوعية،يوظف المناقشة
والجدل،يخرج المشاعر الغريزية إلى النور،ويدفع المتلقي إلى إدراكها بوعيه.المسرح الأرسطي :يعتمد
الحبكة،يستغرق المتلقي داخل الحدث الدرامي،يستهلك قدرة الانسان على الفعل،يثير أحاسيس المتلقي
ومشاعره،يقدم للمتلقي تجربة يعايشها وجدانيا،يسعى إلى تحقيق انخراط المتلقي وتورطه في
الأحداث،ويوظف الإيحاء والتاريخ،يثير المشاعر الغريزية للمتلقي ويلعب عليها خفية بنعومة.
تأثر بريخت بمسرح النو الياباني عبر الصور. الذي يعتمد قطع الحدث،والقصة السردية:الراوي السارد
بدل الدراما،فالقصة أساس في المسرح،وأهمية الحكاية عند أرسطو وبريخت يعتبرها روح الدراما.
ما عيب على بريشت:اعتماد مفرط على العقل واهمال العاطفة،تسييس المسرح وخضوعه للايديولوجية
المحددة،تناقض بين التنظير والتطبيق،جفاف جمالي وتحول المسرح الى درس فكري،تفتيت البناء
الدرامي وضعف الحبكة،تجميد طاقات الممثل لصالح الفكرة،صعوبة تطبيق نظريته عمليا،افتراض وجود
متلقي نقدي جاهز،لكن يبقى بريشت أحدج كبار المجددين في المسرح المعاصر.
خروج الرحلة أو نافذة الإغاثة:ها قد وصلنا إلى آخر نفس،إلى نهاية سطور هذه الرحلة
العجيبة.ستغادرون القاعة أيها الجمهور الكريم،ولكن لن تغادروا ما سمعتموه وما رأيتموه في أعماقكم
من غربة.اضحكوا في الطريق..ابتسموا في مقاعدكم.فكل شيء بنص الغرباء كان مجرد مرآة وأنتم كتبتم
نهايته سرا.
السفر مستمر…الغرباء عمل لا يقدّم أجوبة. بل يقدّم رحلة.رحلة في لغة تتنفس شعراً، في شخصيات
تتفتت، في راوي ينسج خيوط السرد كما ينسج الحائك بساطاً من ذكريات.إنه نص يجعل الغربة صوتاً،
والاغتراب صورة، والمثقف مرآة مكسورة، والفنان سؤالاً معلّقاً في الهواء.وإذا كان المؤلف قد كتب هذا
العمل ليجعلك “تسافر”، فإن أهم ما يتركه فيك هو الشعور بأنك – أنت أيضاً – قد صرت غريباً، ولو
للحظات.وهذه هي قوة الفن: أن يعيد تعريف نفسك لك.فليبدأ السفر… حيث نلمح أخيرًا شكل المسافر
الذي صرنا عليه.في هذا الباب، لا يقدّم النص خاتمة مريحة، بل يتركنا معلّقين بين سؤالين: هل نحن
الذين عبرنا النص… أم هو الذي عبر إلينا؟يذكّرنا المؤلف بأن المثقف – رغم صوته وكلماته – يبقى
هشًّا. أمام سرعة العالم الذي لا ينتظر أحدًا. يتكلم… يتكلم… يتكلم، والعالم يمضي… يمضي…
يمضي.لكن الفن، رغم هشاشته، يمتلك قدرة نادرة: أن يضع مرآة صغيرة أمام الروح، فنرى فيها
غربتنا بوضوح لا نراه في الحياة.ومن هنا، من هذا الباب، أمدّ تذكرتي إليكم: قد ينتهي السفر، لكن
الاغتراب يستمرّ… والفن وحده يجعل هذا الاستمرار ممكنًا، وأقل قسوة، وأكثر إنسانية.فلتُفتح
الأبواب… وليبدأ سفر جديد مع كل قارئ.
شكرا لأنكم كنتم معي وأنصتم لقراءتي المتواضعة.لكنني متأكد من أنكم لو طالعتم نص الطيب الوزاني
ستجدون أبوابا ونوافذ أخرى لم أجدها.فقد يطير حلمكم القادم بين صفحات النص الذي ينتظركم.



