مهرجان أفينيون المسرحي يسلط الضوء على قضايا عربية
دعم للشعب الفلسطيني ولبوعلام صنصال يصاحبه احتفاء باللغة العربية.

مهرجان أفينيون المسرحي الفرنسي يسلط الضوء على قضايا عربية
يتخذ مهرجان أفينيون المسرحي بعدا عربيا هذا العام، حيث يحتفي باللغة العربية لكنه يندّد صراحة بعدد من القضايا الحارقة في المنطقة، إلى جانب استعادته لسيرة واحدة من أشهر المطربات العرب وفتح مجال أوسع أمام مغنّين ومصممي رقص عرب لنقل حكايات من أوطانهم إلى جمهور أب الفنون في فرنسا.
ببرنامج يواكب الأحداث الجارية في فرنسا والمنطقة العربية، ويمنح حيّزا رئيسيا للغة العربية، أطلق مهرجان أفينيون المسرحي الفرنسي دورته التاسعة والسبعين التي تحتفي بالثقافة العربية وتواكب ببرنامجها تطورات الساعة، فتتوقف عند محاكمة “اغتصابات مازان” في فرنسا، وتعبّر عن الدعم للشعب الفلسطيني وللكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال.
واستُهِلَ هذا الحدث المسرحي الدولي البارز في جنوب فرنسا في قاعة الشرف بقصر الباباوات بعرض “نوت” لمصممة الرقصات مارلين مونتيرو فريتاس من الرأس الأخضر، وهو عمل فني ضم ثمانية راقصين وموسيقيين.
بأقنعة واسعة العينين، وفساتين وجوارب سوداء، ومآزر بيضاء، راح الفنانون في هذا العرض الغريب يقلّدون دمى آلية ومهرجين مصغّرين، في مشهدية هزلية رأى فيها البعض استحضارا لمناخ الرأس الأخضر الكرنفالي العزيز على فريتاس، فيما وصفه البعض الآخر بهذيان حالم مستوحى من حكايات “ألف ليلة وليلة”، على ما سبق أن عرّفت عنه مصممة الرقص نفسها.
وتحرّك راقصو الخشبة على إيقاع مزيج من موسيقى “الزفاف” لسترافينسكي، وألحان الموسيقي الأسترالي نيك كيف، مع قرع وصافرات ومؤثرات صوتية، وضخّ ضباب الدخان.
وقوبل العرض بتفاعل متفاوت من الجمهور، إذ غادر بعضه الصالة باكرا، وعبّر آخرون عن موقفهم بصيحات الاستهجان، فيما أعلن قسم ثالث إعجابه بالتصفيق.
تضامن مع فلسطين
ترافَقَ انطلاق الدورة التاسعة والسبعين من المهرجان المسرحي الشهير برسالة “تضامن مع الشعب الفلسطيني” وقّعها 26 من الفنانين المشاركين ومدير المهرجان تياغو رودريغيز، ونشرتها مجلة “تيليراما” الثقافية الفرنسية.
وكتب هؤلاء: “نحن النساء والرجال من العاملين في قطاع الفنون الأدائية والمجتمعين في أفينيون (…) نطالب بإنهاء المذبحة الجماعية المستمرة التي أودت بعدد هائل من الأطفال. وندين السياسات التدميرية لدولة إسرائيل.”
وتحظى هذه الرسالة بدعم عدد من أبرز مديري المسارح الفرنسية، كإيمانويل دومارسي-موتا (مسرح “تياتر دو لا فيلّ” في باريس) وكارولين غويلا نغوين (المسرح الوطني في ستراسبورغ) وجوليان غوسلان (مسرح أوديون في باريس).
في إطار احتفائه باللغة العربية، يشارك اللبناني علي شحرور في المهرجان بعملٍ أُنتج على وقع القصف في بيروت
وبعد تخصيص حيز أساسي من نسخة 2023 للغة الإنجليزية، وللإسبانية في 2024، اختار مدير الحدث تياغو رودريغيز اللغة العربية لتكون ضيفة مهرجان أفينيون هذا العام، لكي يشارك الجمهور “ثراء تراثها وتنوع إبداعها المعاصر.”
وبذلك، سيُثري نحو 15 فنانا، معظمهم من مصممي الرقص والموسيقيين، نسخة هذا العام من الحدث الذي يُفرد حيزا مهما في الأصل للرقص.
هذا الحدث الذي يضم 42 عرضاً، منها 32 عرضا جديدا من عام 2025 و20 عرضاً مصمماً لأفينيون تحديداً، يُقدم “تنوعاً جمالياً كبيراً”، على ما قال مديره تياغو رودريغيز لوكالة فرانس برس.
ودعا رودريغيز الجمهور إلى “الاستمتاع بالجمال والفرح والشعر معا” وإلى “فتح أعيننا على المشاكل (…) والظلم وعدم المساواة في العالم.”
وكان رودريغيز نشر على إنستغرام الأربعاء نصا بعنوان “مهرجان أفينيون يبدأ بينما تستمر المجزرة في غزة.”
وقال “تواصل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة هجماتها على غزة، مرتكبةً جرائم حرب ومانعةً المساعدات الإنسانية ومنتهكةً بشكل ممنهج حقوق الإنسان والقانون الدولي، ومتسببةً في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم آلاف الأطفال.”
وأعرب عن رغبته في بناء “عالم تُقام فيه المهرجانات من جديد في غزة بسلام وحرية.”

وفي إطار احتفائه باللغة العربية، يشارك مصمم الرقصات اللبناني علي شحرور في المهرجان ليروي في عملٍ أُنتج على وقع القصف في بيروت، القصة المأساوية للعمال المهاجرين الذين تُركوا لمصيرهم خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان خريف عام 2024.
كما تشارك المغربية بشرى ويزغن، والتونسيان سلمى وسفيان ويسي (رقص)، والمغربي رضوان مريزيكا (رقص)، والفرنسية العراقية تمارا السعدي (مسرح)، والفلسطينيان بشار مرقص وخلود باسل (مسرح) أو السوري وائل قدور (مسرح).
ويستعيد المهرجان سيرة “كوكب الشرق”، المطربة المصرية أم كلثوم التي توفيت قبل 50 عاما، التي ستكون محور عمل موسيقي من إخراج اللبناني زيد حمدان بمشاركة المغنيتين الفرنسية كاميليا جوردانا والفرنسية – الجزائرية سعاد ماسي ومغني الراب الفرنسي – الجزائري دانيلن بعد حفلة أولى في مهرجان “برينتان دو بورج.”
كذلك تقام أمسية من الحفلات الموسيقية والعروض والقراءات بعنوان “نور” بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس.
ويلحظ البرنامج أيضا تنظيم مناقشات ومؤتمرات و”مقاهي أفكار”، تستضيف مثلا الكاتبة الفرنسية – المغربية ليلى سليماني والصحافي اللبناني نبيل واكيم والكاتب الفلسطيني إلياس صنبر.
ومن أبرز الفعاليات المرتقبة، في 18 يوليو، أمسية ستتلى فيها مقتطفات مما يُسمى بمحاكمة “اغتصابات مازان” لجيزيل بيليكو، الفرنسية التي كان يخدّرها زوجها لسنوات قبل تسليمها لغرباء بغاية اغتصابها.
ومن المتوقع أن يكون لهذا العمل الفني من توقيع ميلو رو تأثير خاص، نظرا لكون هذه المحاكمة التي أثارت اهتماما إعلاميا عالميا قد عُقدت في أفينيون بين سبتمبر وديسمبر 2024.
وفي 9 يوليو، تُقام قراءة لنصوص للكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال، والذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بتهمة “المساس بوحدة الوطن.”
ولاحظ تياغو رودريغيز في حديث لإذاعة “فرانس كولتور” أن الكاتب البالغ 80 عاما “مسجون بسبب أفكاره”، معتبرا أنه أمر “غير مقبول.”
وصنصال المولود في عام 1949 روائي وكاتب قصص قصيرة. كثيرًا ما وصف بأنه مثير للجدل بسبب مواقفه وكتاباته التي اعتُبرت معادية للتاريخ الجزائري وممجدة للثقافة الأجنبية على حساب الهوية المجتمعية الوطنية. حصل في شهر جوان 2012 على جائزة الرواية العربية عن كتابه «حي داروين.»
وأوقف الكاتب في مطار الجزائر في 16 نوفمبر، وحُكم عليه في 27 مارس بالسجن خمس سنوات لإدانته بتهمة “المساس بوحدة الوطن” جراء تصريحاته لصحيفة “فرونتيير” الفرنسية المعروفة بقربها من اليمين المتطرف، قال فيها إن الجزائر ورثت أراضي كانت تابعة للمغرب خلال الاستعمار الفرنسي.
ويحظى بوعلام بدعم كبير. بدايةً في فرنسا، من شخصيات سياسية معينة مثل غابرييل عتال. وفي الجزائر، لاسيما من الكاتب ياسمينة خضرا، الذي ناشد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لإطلاق سراح مواطنه.
ثقافات في صراع

تأسس مهرجان أفينيون المسرحي، وهو الأشهر من نوعه في العالم إلى جانب مهرجان إدنبره، عام 1947 على يد جان فيلار. وتحوّل فعالياته مدينة الباباوات إلى مسرح عملاق في يوليو من كل عام.
إلى جانب مهرجان “إن”، تنطلق فعاليات “أوف” الموازية في أفينيون، أكبر سوق للفنون المسرحية في فرنسا، في حدث يضم حوالي 1700 عرض مسرحي.
لكن يُحتفل بالمسرح فيما يمر هذا النشاط الثقافي الأساسي بفترةٍ عصيبة في فرنسا، حيث تضررت الفعاليات الثقافية جراء تخفيضات متعددة في الميزانية.
ودعا اتحاد “سي جي تي سبيكتاكل”، النقابة الرائدة في قطاع الفنون المسرحية والتي تُطالب بـ”استقالة” وزيرة الثقافة رشيدة داتي منذ نهاية يونيو، الفنانين والفنيين إلى “رفض المشاركة في العروض إذا ما حضرت الوزيرة أو أي عضوٍ آخر في حكومة فرنسوا بايرو.”
وقال نائب الأمين العام للاتحاد ماكسيم سيشو خلال تجمع شارك فيه عشرات الأشخاص أمام مبنى البلدية عصر السبت رافعين لافتة كُتب عليها “ثقافات في صراع”: “بما أن الوزيرة تحرمنا من الثقافة، فلنحرمها من كل شيء!”
ولم تُعلن الوزيرة داتي التي تجري جولة في المنطقة الأحد، أية زيارة لأفينيون.