عرض مسرحية جدار : الضوء نفسه أغمق : عزيز ريان

أسس علم الجبر الركحي عند الحركة في الإخراج المسرحي بمشروع الفنان ياسين احجام المتفرد في مساره التجريبي المختلف

فرقة مؤسسة أرض الشاون للثقافات،العرض المسرحي المعنون ب:جدار(الضوء نفسه أغمق).تأليف قدس جندول،وتشخيص:قدس جندول،أمين بودريقة،رضا بنعيم.سينوغرافيا:ياسين الزاوي.إخراج:ياسين احجام
جدار عرض بدعم من وزارة الثقافة ضمن مشروع التوطين المسرحي بالمركز الثقافي في الزمامرة. قدم مؤخرا بفضاء دار السلطان الثقافي بقلب القصبة بمدينة طنجة المغربية . فكرة تقديم العرض بفضاء أثري هو دار السلطان هي مغامرة محسوبة للخروج إلى أماكن أخرى للبحث عن متلقي محتمل يهوى المسرح ويقدره.دار فنية تستغل مآثرا تاريخيا(القصبة) بقلب طنجة وتسيره جمعية رائدة بقيادة صاحب الفكرة منذ سنة 1999 وهو الكاتب الزبير بن بوشتى والذي كافح وناضل لكي يكون أول مشروع مغربي من هذا النوع وذلك لتطوير المسرح والرقي بالسياحة الثقافية وإعادة الاعتبار للمآثر التاريخية بالمغرب.
قصة العرض لها أبعاد ثلاثية كما لو أنها تشكل هرما مثلثا بعيدا عن التسلسل الدرامي للنص المسرحي المتعارف عليه.ببداية العرض نعرف أن الأمر يتعلق بالمسرح العبثي الذي يكسر الجدار الرابع وهو يكسر كل القوالب والأسس المسرحية في ثورة هزت الفن وقت ظهورها.لكن تيمة الحكي هي الغالبة والتي تأخذ اشكالها الثلاثية الهرمية أو عبر المثلث الذي يحضر في أشكال متنوعة بالعرض كما لو أنه بطل خفي.مثلث الشخصيات الثلاث.مثلث الحكايات.مثلث اللوحات الراقصة.مثلث التواصل.مثلث على شكل نافذة فتحها المغني لإنقاذ الزوجة المهملة من وحدتها..ثلاث هويات مختلفة،على الرغم من أنها تنبع جميعها من نفس الجوهر،كما لو كانت نوعا من الثالوث المقدس.ثلاث هويات لا يجب بالضرورة أن تتطابق مع بعضها البعض،ولكن(لتعقيد الأمور) أحيانا تفعل ذلك.المثلث بطل ما بالعرض.فما هو التعريف العلمي للمثلث؟
تعريف المثلث:رياضيات الحركة الميزونسية:
المثلث:هو شكل هندسي مؤلف من ثلاثة أجزاء وله ثلاث زوايا وهذه الأجزاء هي الأضلاع التي لا تتقاطع نهائيا.وعند التقاء هذه الأضلاع تكون رؤوسا فيصبح بذلك للمثلث ثلاث رؤوس،ويختلق شكل المثلث نتيجة لاختلاف قياس أضلاعه ودرجة الزوايا التي يحويها.وأنواع المثلث هي:
مثلث المتساوي في الضلعين-مثلث متواز الأضلاع-مثلث مختلف الأضلاع.
وزوايا المثلث الداخلية مقسمة كما هو معلوم إلى:مثلث قائم،مثلث منفرج،مثلث حاد الزوايا.
والمستقيمات المعتبرة في المثلث:الموسطات العمودية للمثلث:هي موسطات عمودية لضلع من أضلع المثلث.تتقاطع الموسطات العمودية للمثلث في نقطة واحدة تسمى مركز الدايرة المحيطة بالمثلث.في المثلث القائم تتقاطع الموسطات العمودية في منتصف الوتر.في مثلث به زاوية منفرجة يكون مركز الدائرة المحيطة بالمثلث خارج المثلث.
موسطات عمودية للمثلث وتظهر التحركات الركحية التي اعتمدت بعرض:جدار
كل هذه التعريفات والأشكال الرياضية اشتغل عليها المخرج في تحركات الممثلين الاخراجية وخصوصا وقت التقاء الممثلين الثلاث ورقصاتهم،بل وحتى في ابتعادهم.وكما أن حضور المثلث بالعرض يحيل في زماننا المعاصر إلى ما سُمي ب:استراتيجية المسافة صفر:أو المثلث المقلوب:وهو رمز جديد للاحتفاء بالمقاومة بالعالم ككل(وبفلسطين خصوصا)،ويرمز إلى إستراتيجية المسافة صفر،والتي تطبق عندما يكون هناك تداخل بين طرفي الحرب(حرب بين جهات ثلاث بالعرض،وحرب بين الطيف وزوجته،وبين مغني الأوبرا ونفسه..)،وتكون عملية الحرب داخل بناية واحدة،أو مربع واحد(بيتين أو غرفتين شفافتين بالخشبة)،أو بمعنى آخر يبتعد الطرفان عن بعضهما عدة أمتار فقط،ويتراوح مجال المواجهة بين القوات الاستعمارية والمقاومة إلى 50 أو 75 أو 100 متر على الأكثر. فهل المخرج والسينوغراف يشيران إلى أن على البطلة أو المرأة بالعرض في مقاومة ونضالية شجاعة لأجل البقاء؟
الحكاية/حدوثة الألم:
ندخل من / عبر الجمهور نحو أو في اتجاه الخشبة مع المهرج الذي ينقلنا إلى عوالمه بخواطر بالفصحى تكشف لنا لواعج النفس.لنكتشف أننا أمام شخصية غير عادية عادت من مكان غير عادي.هو طيف ميت عاد من جديد لكي يراقب ويمعن في إيذاء زوجته التي تركها كالمعلقة قبل أن يفقد حياته في حادثة.فهل الميت له قدرة على الحكي أو البوح؟لا بأس لندخل اللعبة العبثية ونعرف حيثيات كل أحداثها.ونعيش وسط الغرفتين المتلازمتين والتي يفصل بينهما جدار.البناء المعماري للغرفتين أو البيتين من بلاستيك كما أو أننا أمام حقل زراعي يحافظ على شروط العيش داخله (لكائنات حية ما)ضد كل التقلبات المناخية الفلاحية.بيتين مختلفين لكنهم متلاصقات حد الاندماج.بيت أو غرفة المرأة وهي زوجة مهرج السيرك أو الطيف الميت.والتي نسيت اسمها في خضم الوحدة والهجران والنسيان.وغرفة أو بيت للمغني الأوبرالي الذي توقف عن الغناء وغرق في ادمان (الكأس).الطيف يحرس نشوته(قبل موته) لكي يبوح بعد موته الفجائي بعد افراط في الشرب.
ثلاث حكايات مختلفة لكنها مترابطة فالجامع بيهما الفن:المرأة راقصة باليه سابقة،والرجل بالغرفة مغني أوبرا توقف قسرا عن الغناء بسبب حادثة(السروال).ومهرج سيرك.كما يجمع بينهما أن الزوجة التي هجرها زوجها تتزوج بالمغني جارها منقذها من جحيم وحدتها القاتل.صراعات مثيرة بين ثلاث شخصيات بشكل مباشر وغير مباشر إلى أن تنتهي الأحداث بقبول بعرض زواج المغني وعهد على الإخلاص والوفاء مهما حدث.أحداث تتخللها مقاطع عبارة على خواطر باللغة الفصحى تكمل السير الدراماتورجي لما نراه مشهديا.
مسرح الموت:ثنائية الموت والحياة التناقض/التلاحم
استطاعت الكاتبة وضع المتلقي داخل بوثقة شفافة للبوح ومواجهة الموت بكل أشكاله:موت الزوج السابق المهرج،موت الزوجة بوحدتها،موت رمزي لمغني الأوبرا بعد سقوط سرواله خلال حفل ما.
الموت بطل آخر يطل على كل جنبات الفضاء المسرحي وحيزه الدرامي والذي ساعدت دقة السينوغرافيا على كتابة المشهدية الركحية كاملة لأجل الخطاب المسرحي. يبدأ العرض بالطيف مكسرا الجدار الرابع:..”والآن تريدني أنا اسامحك؟كنت أحمق.لا ألم في هذا الموت إلا ألم فقدانك.خيانة هجر.ظل باهت.لا أستطيع الهروب من هذا الهروب.حتى في هذا الموت لا أستطيع التخلص من الندم.”
المسرح صُبغ بتيمة الموت منذ القدم،مع ما يعانيه البشر في الحياة ومظاهر الاغتراب بصورها المختلفة للمرأة والرجل والسلطة والمجتمع ومع الذات الإنسانية. فالموت ناشيء عن اغتراب الانسان واحباطاته وشعوره بعبثية الحياة.فعرفنا تيمة الموت بأشكالها المختلفة تراوحت بين الموت الطبيعي أو القتل أو الانتحار أو غيرها. وجميعها تكشف عن الحزن والألم الذي يعانيه الفنان وأبناء جيله في طغيان الظلم والتسلط في صور تكسو معالم الدفق الشعوري باستعمال أفعال التحول والتغيير التي تضفي على العالم سكونا وتأخذه من حضوره إلى الغياب.
والمعروف أن الكاتب البولندي “تايدور كانتور” هو أول من أطلق على مسرحه مسرح الموت في وقت كان ا توقف فيه عن التأكيد على أن مسرحه إنما هو مفعم بالحياة.وإن تلك الحياة هي مطلبه أولا وأخيرا.حيث كتب خمس مسرحيات معترفا بأن تناغم الموت مع الحياة حتمية معروفة لأن الحياة والموت في نهاية المطاف شيء واحد.فمن دون الحياة لا وجود للموت،وبدون الموت لا وجود للحياة كما عرف كانتور الحب بأنه الموت السعيد.فعرض جدار يدعو برغم كل شيء إلى الحب والحياة بكل أصنافها والاهتمام بكل لحظاتنا مع من يحبنا بصدق.وبرغم أن الموت فعل/مصيبة قبيحة فالمسرح كما الفن يصبو للاهتمام بكل ما بالحياة سواء كان جميلا أو قبيحا وحتى أن للقبح جماليات علينا فقط التمعن فيها.ويمكن التوسع في فكرة جماليات القبح بالاطلاع على مقالة:”جماليات القبح عمر محمد فقرش في مقالته القيمة:جماليات القبح بين الذوق والتفضيل الجمالي:بمجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية المجلد 40،العدد 2، سنة 2013 عن قسم الفنون المسرحية،كلية الفنون والتصميم الجامعة الأردنية:تاريخ استلام البحث: 20.03.2012 تاريخ قبوله: 27.02.2013 “
عري رمزي للمبدع/الفنان:لو فشل الفنان هل له فرض أخرى؟
التعري أو العري ك(فضيحة) مثلما وصف بل الفضيحة الحقيقية هي كيف يكون المسرح أو الفن موغلا في هذه القسوة المشهدية،وكيف يكون فعل(سقوط سروال فنان)فوق الخشبة هو إعادة لانتاج هذا الفعل(العاري) الصادم للذاكرة المغربية والعربية نفسا ليكون السؤال حول مدى قسوة المتلقي في الاستهزاء من هفوات وزلات الفنان وتجريده من الاحترام والحق في اقتراف الخطأ بعنف ووحشية وقسوة دون تحويلها (كما قالت الزوجة المهجورة)إلى فرصة لاثارة الانتباه والانطلاق والنجاح وتوظيفها ك(بوز) تافه كتميز (عاري) للمغني.العري مقابل للفشل الفني حيث فشلت الزوجة الوحيدة في تحقيق حلمها برقص الباليه،وفشل المهرج في عرضه قبل موته،وفشل المغني خلال حفلته.
الممثل:مسرح ما بعد الحداثة/العبث الجديد أو الحضور الأساس المحرك
إدارة الممثلين الثلاث استطاعوا إظهار امكانياتهم الأدائية الواعية بتقمص الشخصيات التائهة والوحيدة والفارغة داخليا. أمين بودريقة لعب دور مغني الاوبرا مستغلا قدراتها الصوتية وأحباله المتمرسة لأداء مقاطع أوبرالية صعبة.بسهل ممتنع دفعنا إلى التعرف على مرونة جسده وصوته وتشخيصه.
أما في دور الطيف فلقد اشتغل رضا بنعيم بشكل ذكي ونوع في حركاته وأدائه وأبان عن قدراته وهو يحمل الحدوثة فوق عاتقه ويتحكم في تقسيم آلياته بشكل دقيق على زمن العرض وانتقاله من اللغتين الدارجة أو الفصحى بتنويع نطقي معبر يلعب فيه على آلياته الداخلية والخارجية مع التعامل الجيد مع الشخصية الصعبة التي هي أساس كل العرض لأنها انفلتت من بين حطام العدم أو الموت.
ولامست قدس جندول عمق المأساة بشخصيتها وهي تنبش في هشاشات الأنثى المهملة والمهجورة بنص تعرفه جيدا لأنها كاتبته.
إن أداء الممثل هو لغة خاصة به تبث رسائل مشفرة ذات صيغ إنسانية عامة،تتجاوز الصبغة المحلية إلى العالمية ما يعني أن أداء الممثل في مسرح ما بعد الحداثة يتجاوز الحدود ويمكن اعتباره نوع من الممارسة الثقافية التي تعيد كتابة وبناء الرموز والإشارات الجسدية التي تكشل الحياة الاجتماعية والأداء يمتد بين الكثير من الحدود التي تفصل المؤسسات وبين الطبقات والأعراف والهويات الثقافية.ذذ
عملُ الممثل بالعرض فعل تنظيم معماري وهندسي للأصوات والكلمات والحركات بشكل يعاد فيه طرح الصور أو تنويعها بحيث تشكل “موتيفات” معينة.وليصبح الركح إسقاط لحالات داخلية غير سوية تكتب تأثيرا تخييليا إلى المدى الذي تستثير معه أشكال الفانتازيا اللاوعية لدى الجمهور.
اعتمد الممثل عامة بجدار في أدائه بشكل مهم على خلق التأويلات السيمولوجية في كل جزء من أجزاء جسده بشكل مستقل عن الآخر فتعبير الممثل بجسده لا يشمل العملية الأدائية.ولعل الإحساس محور الاتصال الحميمي بين الممثلين والمتلقي باعتماد أداء الإحساس والوجدان بشكل كبير لتوليد حالات شعورية مرئية ليصل من خلالها المؤدي على أعماق النفس الإنسانية ما يخلق نوعا ما من الاتصال الحميمي بين الممثل والمشاهد،من خلال تفاعل المتلقي مع الرسائل والإشارات الدلالية التي يؤكدها العرض.وعليه فإن الانطباعات المتبادلة بين الممثل والمتلقي تكون عبارة عن صورة يمثلها جسد الممثل (كأساس اللغة المشتركة بينهما).
اعتمد أداء الممثلين على التشظي داخل دواخلهم نتيجة التداعي الحر للأفكار والصور فلا يمكن أن التواصل بدون ثقافة عالية بالأحداث والصور والمواقف ووجهات النظر.وخصوصا عندما تسلط عليه بقع ضوئية للسرد.يؤدي أفعال سلوكية تختلف في كل بقعة وعلى المشاهد أن يلم هذا الشتات من التشظي الصوري.
لم يعتمد عرض جدار على نسق نمطي من الحركات السائدة التي تلائم كل شخصية فقط بل تعداها إلى توظيف الرقص كنوع من الممارسة الثقافية الشاملة التي تسعى لا عادة بناء رموز حياتية وما ميز خيار ما بعد الحداثة فأغلب حركات الممثل قد تكون خاضعة للتفسير المنطقي فطريقة تحرك الطيف أو كلامه بطريقة آلية أو مبالغ فيها بذبذبات متصاعدة نازلة هي نوع من التداعي الحر للأفكار وإعطاء دلالة للمتلقي على أن الطيف قادم من عالم آخر.إن “مسرح (مابعد الدراما) طقس يسعى إلى تغيير المتفرج،والفضاء فيه يتحول إلى استمرار للواقع،ولهذا فهو مسرح ملموس يعرض نفسه عبر انقضاء الزمن والجسد،هو إطار احتفالي لا مرجعية له،كما أن العلامات المسرحية تبتعد فيه عن دلالاتها بحسب (هانز لهمان) فالوسائل المسرحية لا تخضع لاختبارات ترتبية،مما في ذلك العلامات،وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال صياغات جديدة لدور الممثل بثقافة أدائية جديدة لأن أهم آليات هذا المسرح هي العمل على ابراز عناصر مسرحية محددة دون غيرها باستثمار الإمكانية المتاحة التي يوفرها فضاء العرض من زمن ومكان وجسد وصور،وما يمكن أن ينتج عنهما من تعالق في أدائاتها تشكيل الإيقاع العام الذي لا يهدف إلى تحقيق شمولية التركيب الجمالي و إنما العمل على إضفاء(طابع تشذري) لهذا التركيب من نشأته أن يتيح فرصة للمتلقي في اكتشاف عالم أنه جديد من ناحية وفرصة لمبدعي العرض في تأكيد الحضور لقدرات إبداعية متجددة،كما يؤمن فرصا واسعة لتطوير مكونات وعناصر المسرح باستثمارها بشكل جديد ومتطور في وسائله..”
السينوغرافية قراءة بصرية/مشهدية مكملة للتصور الحركي:رمزية السمعي/البصري في معمار الفنان ياسين الزاوي
ويمكن تلخيص تعريف السينوغرافيا الاجرائي بأنها فن تشكيل الفضاء المسرحي المفتوح بمنظومات العرض السمعي-البصرية،تشكيلا فكريا وجماليا واستنباطيا،وبما يضمن تحقيق حالة من التفاعل والتواصل الفكري والجمالي والاستنباطي ما بينها وبين الحضور.
يرى الباحثين أن جماليات السينوغرافيا في الخشبات المسرحية الصغيرة تتحقق من خلال تقليل المسافة ما بين عناصرها والمتفرج،فكلما ضاقت الهوة في عملية التلقي،ازداد فعل التأثير الجمالي،فكلما تداخلت وتفاعلت مع ذائقته كلما اقتربت المسافة الجمالية،وأصبحت أكثر احتكاكا وتفاعلا وجدلا مع المتلقي الذي يصبح قريبا إليها،فيتبادل الاثنان مواقفهما داخل تلك المسافة،فيتغلب فيها المتلقي في فترات وتتغلب عليه في فترات وتتغلب عليه في فترات أخرى. فهو نقاش يتزايد كلما فتحت السينوغرافيا وعناصرها المشكلة له مساحة للمتفرج كي يسافر داخلها،وتنغلق كلما ضعفت الموارد الثقافية والمرجعيات المعرفية للمتلقي،هكذا إذن هو الإحساس بالجمال يتنقل ما بينها(أي السينوغرافيا) والمشاهداهد،وهذا يعني ابداء الحكم عليها بالإيجاب أو السلب،أي أننا كلما كنا ايجابيين في التعامل مع المسافة الجمالية،ارتفعت القيمة الجمالية وسمت بالسينوغراف وعناصره إلى الجمالية.فتظهر القيمة الجمالية للسينوغرافيا من خلال تحليل شكلها ومضمونها وحصر وظيفتها وقدرتها التعبيرية في التفاعل مع المدركات الحسية والعقلية وتحويلها إلى دلالات تنتخب بوسالها ومضمونها وحصر وظيفتها وقدرتها التعبيرية في التفاعل مع المدركات الحسية والعقلية وتحويلها إلى دلالات تنتخب بوساطة الاستعارات المكثفة للرموز عن الجمهور.
ومن هذا،فالوظيفة الجمالية للسينوغرافيا في الأماكن(الضيقة أو الصغيرة كما في خشبة رياض السلطان) ترتبط بقدرة الادراك في استيعاب(الشكل والمضمون)،والدلالات والرموز،وفي القدرة التحليلية (تفكيكا وتركيبا) وإعادتها إلى الواقع بشكل فني يخلق بينها وبي المتلقي مسافة جديدة.
السينوغراف الفنان ياسين الزاوي خلق نصا بصريا آخر مكملا لتكوين العرض ليخدم بالديكور والإنارة والموسيقى جماليات العالم الفرجوي الذي تختلط فيه الحقيقة والخيال بالواقع.بنى جدارات شفافة بلاستكية سهلة التمزيق كبيت العنكبوت لكي يشير إلى أن الشخصيتين معا تعانيان من هشاشة عشهما البيتي وسهولة كسره.كسر رمزي للبلاستيك كما لو ان الشخصيات تتحرر من شرنقتها نحو الحياة.الاختصار في الاكسسوارات لم يكن اعتباطيا بكل استكمال لكل الأغراض الفنية التي لها قيمة درامية تساعد على خلق الأجواء الفرجوية المرتبطة بالموضوع والحدث وحالات الخوف والحزن والموت والوحدة الغالبة على العرض.الانارة في التحامها مع لون البلاستيك البارد نقلت بذكاء كل الأحاسيس الميتة التي تحيا داخلها كل شخصية حتى الطيف الذي لا بيت له في الحياة.الموسيقى بعثت الروح في السير السردي والركحي للحكاية انتقالا ما بين الهدوء والصعود والصراخ ف مواجهة وحدة وعزلة الانسان المعاصر.والذي يثير الإحساس بجمالية العناصر البنائية التكوينية الداخلة في تشكيل عناصر السينوغرافيا من (خط،لون،شكل،ملمس،قيمة ضوئية،ملابس…)هو أسلوب توزيعها وتأثير وانعكاس كل منها على العنصر الثاني،وهذا يعتمد على وعي السنوغرافي الدقيق لعملية الخلق الفني للصورة المسرحية وذاكرته الثقافية وقدرته على تنظيم أفكاره وترتيبها في وحدة ايقاعية مصممة ومتوازنة مع ايقاعات العناصر البصرية وتصميمماتها للحصول على وحدة الانسجام والتنوع والتوازن وتشغيل العناصر البنائية المذكورة أعلاه وبما يقدم تعبيرا استنباطيا ذا مدلولات جمالية وفلسفية للعرض،لأن “وحدة الشكل الديكوري بانسجام وتوافق ألوانه والإضاءة المسرحية مع نظام الصور الفنية المسرحية ككل هي جزء من عملية التكامل الفني لأي عرض مسرحي.
إن معالجة السنوغرافي لعناصر الإضاءة،الماكياج،الأزياء،والديكور،الملابس،الموسيقى…يجب أن تكون ككل وفي وحدة فنية واحدة من خلال اختيار الوسائل والأساليب التي تضمن سلامة هذه الوحدة حتى ترتبط كل لوحة عنصرية مع اللوحات الأخرى للعناصر الأخرى ومن ثم ترتبط كليا بمضمون وطبيعة المسرحية والبناء التكويني فيها،وفي كل تمفصلات العرض انطلاقا من الخصائص الأسلوبية للعرض المسرحي،والخطة الفكرية والفنية الجمالية (البصرية الصوتية) للعرض.
لكل سينوغرافي تقنياته وأفكاره التي تظهر من خلال ما يقدم على المسرح(في حالتيه المغلق أو المفتوح) وعلى المستويات كافة،أي انه من خلال جهده الخاص وذكائه وقدراته المهارية في التصميم والتوزيع،يكون دوره محركا ومحفزا لإثارة شعور المتلقي،والتي تعمل على إيجاد لغة مشتركة بينهما،فضلا عن أن السنوغرافي لن تتوقف حدوده الإبداعية فقط بتصميمه للمشهد المسرحي،وإنما إبداعه يجب أن يكون في الموقع المسرحي،وهذا معناه التنظيم بحدود الفضاء لاسيما المفتوح منه،تنظيم مساحات التمثيل،وتنسيق وانسجام هذه المساحات المفتوحة مع عناصر وتقنيات الفضاء المسرحي.
لنصرخ هنا ونكرر: “لم يعد مقبولا ان تعتمد غالبية العروض المسرحية على استيراد النماذج والأساليب واستخدامها بالمجان.
لم يعد مقبولا أن يدرك:أن لكل عنصر من عناصر السينوغرافيا(ديكور-إكسسوار-إضاءة-موسيقى-ملابس-ماكياج)له فعله وبعده الوظيفي والدلالي والجمالي،وان كل هذه العناصر ترتبط ببعضها ارتباطا ببعضها ارتباطا وثيقا بعلاقة اسببية ورباط الفكر.ذلم يعد مقبولا أن نتجاهل أو نجهل ان الابتكار في السينوغرافيا يتلخص في ترتيبها التشكيلي ما بين فكرة النص وفكرة العرض بحيث ينعكس في الفل والحدث ويلد لغة متماسكة فنيا وفكريا في صياغة المعنى بشكل مرئي ومسموع ومحسوس.
لم يعد مقبولا أن لا يعي المخرج السينوغرافيا معادلا تعبيريا ومؤثرات في الحدث الدرامي.وان عليه الاستعانة بمصمم سينوغرافيا إلا في حل كان المخرج تملك حسا تشكيليا،وملما بالأسس العلمية للسينوغرافيا.
لم يعد مقبولا التطفل على المسرح،واللعب به وفيه في الهواء،هناك علم وهناك موهبة وهناك ابداع.
لم يعد مقبولا ان نرى في العرض المسرحي رؤية مضاعفة بصريا على روح النص.
يقول المخرج هناء عبد الفتاح:نحن في حاجة إلى مبدع مسرحي حقيقي يرى في التشكيل هدفا لفضاءات خشبة المسرح أيا ما كان نوعها،تشكيلا حقيقيا لمفردات العرض المسرحي،ليصبح خلاقا وليس ترجمة،ابداعا وليس انتاجا،بعثا وليس موتا.”
رياضيات أم فيزياء الإخراج المسرحي أو جماليات الميزونسين (الحجامي)بمشروع الفنان ياسين الحجام:تنويع المسارات لتنويع الفرجة وعدم التكرار الفني:
الإخراج حالة جديدة للمخرج المبدع ياسين احجام الذي يصر على ألا ينحصر في مدرسة فنية بعينها ويستغل تراكماته الإنتاجية الفنية تمثيلا في الشاشة الصغيرة والكبيرة وبالمسرح تمثيلا وإخراجا ليقدم لنا تنوعا مسرحيا وفنيا علميا عماده التجريب الجسور للخوض في تقنيات ميزونسينة ماكرة والتي تتطلب مجهوداته وبحثه العلمي الأكاديمي الرصين لكي يرضي المتلقي ويرضي طموحاته الكبرى.حتى ينجح في إيصال ما بين سطور نص قدس ويربط الأحداث بوصلات ورقصات وخواطر في تنويع اخراجي وحركي لكل تفصيلات الشخصيات. استطاع ياسين تقديم فرجة مسرحية تعتمد المشهدية التي تلجأ للحوار والصورة والحركة الجسدية،للعودة إلى القيم الإنسانية الضائعة ودرأ الصراعات المجانية للحب أكثر والاهتمام بمن نحب أكثر.ولقد لجأ مخرجو وكتاب مسرح ما بعد الحداثة إلى إعادة كتابة النص بمنظور عصري يتناسب مع مستجدات العصر الحديث الذي يعيشونه فربطوا النص والعرض المسرحي بالظواهر المرئية ورفضوا موت البطل ورأوا في الأحاسيس الإنسانية عناصر مؤقتة،وعملوا على تفكيك دواخل الشخصية التراجيدية واستبدلوا مواضيغ الشخصيات المحورية بمواضيع هامشية في بنية الأحداث ورفعوا الشخصيات الهامشية فجعلوها محور الحدث،ورفضوا المعايير الفنية الكلاسكية(التوازن،الوحدة)،وعمدوا إلى استثارة المتلقي من خلال الصور والعناصر المتضافرة والمبالغات وتداخلت في عروضهم عناصر من فنون النحت والشعر والموسيقى والرقص،وتأثرت البنية الدرامية للنص بتقنيات كتابة السيناريو،واعتمد الأداء على الجسد.
اعتمد احجام في رؤيته على الكتابة البصرية التي شكلت العرض وأسهمت في تحقيق المنظور المعرفي للرسالة.فالعرض لا يخلو من الصور والرمز والدلالة التي كان منطلقها الفضاء وما يحمله من ألوان وشخصيات وسينوغرافيا.ولقد ساهمت بعض التقنيات في بلورة رؤية المخرج في تجسيد آليات التجريب من خلال عرض لوحات راقصة مستقلة عن بعضها البعض،مما يحيل إلى تقنية المرح داخل مسرح الموت،فغالبا ما يتحول ىالمهرج والمرأة إلى مشاهدين ومجانين وممثلين والعكس بالعكس.وتقنية تمزيق الجدار البلاستيكي أضف جمالية على العرض المسرحي،وكذا تقنية اللعب البهلواني التي ترافق حركات الممثل الذي يمثل الطيف فوق الخشبة.رغبة المخرج مقاربة إشارات اللاوعي من خلال تصرفات الطيف واللعب المرتبط بالطفل عادة.التقنيات المسرحية إخراجيا هامة عبر جماليات التشكيل للمنظر المسرحي وارتباطهما بسينوغرافيا العرض.دون اللجوء إلى التكنولوجيا وتقنياتها المبالغ فيها التي لا تقود بالعرض المسرحي إلى الجمال دائما. فدور المخرج في بناء فكرة إخراجية ورؤية تعرف عبر عقلية كيف توظف المتاح من التقنية فضلا عن دور المصمم والسينوغرافي،لذلك فإن ما ينتج من جمال العرض المسرحي وتقنياته المستخدمة ناتج عن وعي العاملين والمسؤولين عن العملية المسرحية.وحتى يكون العرض لوحة متناسقة متحركة،لتصب عين المتلقي تركيزها منذ البدء إلى التكوينات المنظورة كي تشع جماليا عقب تأمل حثيث لمفردات الإنشاء المشهدي وهو ما يجعل من الصعب تصور العرض المسرحي من دون الطاقة الجمالية الكامنة في المدرك التشكيلي المتحرك.
وياسين المخرج الذي يظهر مع جيل جديد من الشباب بالمغرب الذين يمتلكون رؤى اخراجية غير تقليدية تنطلق من مفهوم حديث للاخراج بوصفه قراءة خاصة للنص المسرحي وإعادة كتابته بتحطيم قيوده وملء ثغراته المعتمدة على تنظيم الفرجة المسرحية على مستوى القالب الفني والأسلوب الجمالي. وبالتالي الأفق الجمالي للممارسة المسرحية،ومن هنا فالوقوف عند تمظهرات الاشتغال الجمالي في المسرح هو في جوهر تمثل للتجارب الاخراجية الجديدة وللمجهودات الي راهنت على البعد الجمالي شرطا في الفرجة المسرحية.وكل هذا ساعد في رسم الملامح الجمالية للتجارب المسرحية التي أعلنت عن حركية نوعية منتعشة في الفرجة المسرحية،أذكتها روح التجريب التي لازمتها،مونها شكلا من أشكال المشروع الحداثي في المسرح لأحجام.
الخطاب في المستوى عدد خطابات يكون كل واحد منها مفتوحا على جملة من الأسئلة التي تبحث لها عن إجابات بتفاصيل تقف عند حدود الكائن والممكن لدى كل خطاب ومشروعه كينونة كل خطاب على حدة،بدء برسم حدوده في علاقاته المتشابكة والمتداخلة مع غيره،والتي تسهم في بناء دوائر الاتصال والتواصل.يقول المهرج/الطيف ذات حكي:”هذا الرجل الذي أمامكم شيء آخر.وهذا البيت الذي امامكم هو شخص أخر وليس كما يبدو لكم(نبرة تتغير)وأنا أيضا لي اشكال أخرى لست كما أبدو الآن كل هذا لا يهمما يهمنا لذا اليوم هو قصتنا عن هذا المزعج المصاب برهاب المجتمع وحيد مثل فردة جوارب وحزين مثل فتاة تركها حيبها وتزوج ابنة عمته ههه وخائف خائف كمن ارتكب ذنبا.هذا المزعج سنلتهي به هذه الليلة سنراقبه عن قرب من فوق قوقعته وسنعيش معه ما سيغير حياته الى الابد أو ربما لا.”كما لو كان بائع كلام أو حكايات يدفعنا بتشويق ما للغوص معه بوحا.
وأهمية الصياغة الحوارية الذي تتسم به طبيعة الخطاب بحوار درس باعتباره شكلا مركبا لبنية الكلام.لكن الصوغ الحواري للخطاب(سواء في إجابة الحوار أو في الملفوظ المونولوجي(كما في مقطع الزوجة المعلقة: أنا معلقة بين الحياة والموت،أما أنت؟أنت ميت بالفعل..لكنك عالق في الماضي.لن أغفر لك أخذت كل شيء مني وهذا الصمت هو كل ما تبقى لي)الذي يتغلغل إلى مجموع بنيته وطبقاته الدلالية والتعبيرية،وقع تقريبا تجاهله غالبا.غير أن الصياغة الحوارية للخطاب هو الذي يتوفر على قوة سلبية كبيرة،فالخطاب يفهم موضوعه بفعل الحوار.
ختاما،من سمات الخطاب المسرحي بشكل عام هو أنه بطابع مزدوج(برأسين) خطاب درامي وآخر مسرحي،أو بتعبير آخر نص درامي وعرض مسرحي يخترق النفس البشرية في كل مآسيها وأفراحها ويدعو إلى التوقف قليلا على انكساراتها للمحاولة من جديد.وعرض جدار رؤية إخراجية فكرية معاصرة جديدة تستدعي التحليل والنقاشات التقنية كنا مع عرض يتخطى (جدار)مسرح مغربي يشتكي من قلة الجمهور أو أماكن العرض،وإنتاج فن نخبوي قد لا يفهمه الجميع.
1 – يوسف رشيد (الناقد المسرحي العراقي) في مقالته آليات ما بعد الدراما :حرية الاشتباك الجمالي والتقني، موقع كلية الفنون الجميلة -جامعة بغداد.
2 – ألكسي بوبوف التكامل الفني في العرض المسرحي ترجمة عبد الباقي محمد إبراهيم،القاهرة:مؤسسة طباعة الألوان،1968،ص:112
3 – سامية اسعد:مفهوم المكان في المسرح المعاصر،مجلة عالم الفكر،الكويت:المجلد 15،العدد 4،يناير-فبراير-مارس 1985،ص:68
4 – من المقالة الهامة للمصممة السينوغرافية اللبنانية شادية زيتون:لم يعد مقبولا،والتي نشرت في نشرة يومية من مهرجان الهيئة العربية للمسرح بمدينة وهران الجزائر سنة 2017.