اخبار الفنانين

المسرح التونسي يفقد أنور الشعافي أحد رموز التجريب البارزين

فنان آمن دائما بالتجديد والانفتاح على فضاءات أخرى.

إن ذكر مسرح التجريب في تونس مقترن بأسماء قدمت الكثير لترسيخ هذا التوجه، وعلى رأسهم أنور الشعافي، الذي حاول رفقة الكثيرين التجديد في الفعل المسرحي من داخله وخارجه، وهو ما جعله يحظى بمكانة هامة في الحراك المسرحي التونسي والعربي، مكانة أكدتها حالة الحزن الكبيرة التي انتابت المسرحيين ومحبي المسرح إثر رحيله في تونس.

فقدت الساحة الثقافية والمسرحية التونسية يوم الأربعاء 30 أبريل الجاري، المخرج والناقد المسرحي أنور الشعافي بعد صراع مع المرض. وقد نعته وزارة الثقافة التونسية علاوة على المسرحيين والمتابعين للشأن الثقافي في تونس وخارجها، نظرا إلى مكانته الهامة في الحراك المسرحي سواء في ما قدمه من أعمال أو كتابات في المسرح وحوله.

مسيرة مميزة

◙ الشعافي تميز برؤيته الفنية الفريدة حول التجريب والانفتاح على التجديد بشكل خاص وهو ما أكده في أعماله
◙ الشعافي تميز برؤيته الفنية الفريدة حول التجريب والانفتاح على التجديد بشكل خاص وهو ما أكده في أعماله

تمتدّ مسيرة الفنان الراحل أنور الشعافي على مدى ثلاثة عقود من الزمن، وهو خريج المعهد العالي للفن المسرحي عام 1988، وأسس فرقة مسرح التجريب بمدينته مدنين (جنوب تونس) سنة 1989 وأطلق سنة 1992 المهرجان الوطني لمسرح التجريب.

كما تقلّد الشعافي منصب مدير مركز الفنون الركحية والدرامية بمدنين سنة 2011، ثم مديرا عاما لمؤسسة المسرح الوطني من سنة 2011 إلى 2014، وفي رصيده العديد من المؤلفات والأعمال المسرحية التي أسس من خلالها لفعل مسرحي اتّخذ من المنحى التجريبي طريقا خاصا.

ومن أهم أعماله المسرحية نذكر “رقصة السرو” (1991) و”الدرس” و”عود رمان” (1993) و”ترى ما رأيت” (2011) و”أولا تكون” (2016) و”هوامش على شريط الذاكرة” (2019) و”كابوس أينشتاين” وغيرها من المسرحيات التي ميّزت العمل المسرحي في تونس. لم يتوقف حضور الشعافي في حدود تونس بل نال مكانة هامة في حراك المسرح العربي، ليصبح واحدا من رموز التجديد المسرحي، بما أشرعه من نوافذ على مسارات جديدة ومبتكرة في الفن الرابع.

ومن أهمّ التّكريمات التي نالها نذكر تكريمه في مصر بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته 29 وذلك اعترافا له بمسيرته الثرية والمختلفة، فضلا عن تكريمه سنة 2022 في افتتاح مهرجان مسرح التجريب بمدنين وفي مهرجان “أيام مسرح المدينة المتوسطي” بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي.

منذ سنوات والشعافي يواجه المرض الذي أقعده على كرسي متحرك، بينما لم تهدأ عزيمته في العمل المسرحي ومتابعة العروض والفعاليات المسرحية، والكتابة عن المسرحيات وحول قضايا المسرح المختلفة، بقلمه الناقد ورؤيته المتوازنة والمنفتحة على التجديد بكل ابتكاراته وأساليبه. تميز الشعافي برؤيته الفنية الفريدة، التي قدم بعضا منها في حوارين سابقين أجرتهما معه “العرب”، وطرح آراءه حول التجريب والانفتاح على التجديد بشكل خاص.

مسرح التجريب

◙ مسرحيات الشعافي مجال للتجريب
◙ مسرحيات الشعافي مجال للتجريب

في رؤيته للمسرح قال الشعافي في حوار سابق المسرح هو خيال رحب لا يستكين للمسلّمات الجمالية وتاريخ المسرح هو تاريخ هدم وتقويض، ولا بد من نزع صفة القداسة عن أرسطو مصّاص دماء المسرح الغربي، كما عنونت فلورنسا دوبونت كتابها، ذلك أن الانحناء للقواعد القديمة يجعل المشهد المسرحي مستنسخا من بعضه بعضا.” ويقول جازما “المسرح يشبه طائر الفينيق يحيا من رماده، وهو فن له قدرة عجيبة على التحوّل والتجدّد والانفتاح.”

هكذا يبدو الشعافي ومن خلال مسرحياته المتنوّعة التي راكمها منذ أكثر من ثلاثة عقود مختلفا ومنفردا في الطرح والبناء السينوغرافي، وكأنه يسعى إلى إرساء نوع جديد من المسرح المُربك للمتفرج والنقاد على السواء، والمقوّض لآليات المسرح الكلاسيكي التقليدي.

  هل بإمكاننا الحديث الآن عن تجربة منفردة للشعافي أساسها مسرح الخيال العلمي؟ أجاب بخجل المتمكّن من أدواته والواثق من مساره “أنا أعتبر نفسي مبتدئا في كل تجربة أخوضها، فآفة المسرح في تونس هي الادّعاء والتهافت، وبعض هؤلاء لا يتجاوز عدد أعمالهم أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك يُكابرون، ولا أراني أشبههم.”

المسرح عند الشعافي يشبه طائر الفينيق يحيا من رماده، وهو فن له قدرة عجيبة على التحوّل والتجدّد والانفتاح

الشعافي رأى أن السؤال عن النفس وتقديمها كذات واحدة واضحة ودقيقة يبدو صعبا جدا، وهو سؤال يومي وجوهري في رأيه. ففي العلاقة بالأنا الكائنة والمفكرة والمطورة لأفكارها تتعدد الزوايا والمداخل لفهم الذات لذاتها وتتعقد الأمور أكثر وتصعب إذا ما كانت الذات مبدعة.

وقدم الفنان الراحل نفسه في حديثه لـ”العرب” قائلا، “أنا إنسان مبدع في الفن المسرحي العظيم” ومنذ بداياته وهو مناصر للتجريب لأنه كما قال عن نفسه “ضد السائد والمعتاد ومسكون بالإضافة والتجاوز. لا أريد أن أشبه غيري أو أشبه نفسي، ومسرح التجريب هو بحث دائم ومتجدد عن سياقات ونماذج جمالية مغايرة ومختلفة ونوعية بعيدا عن الشكل الواحد والرؤية الواحدة والنمطية.”

وحول الإمكانيات التي يمنحها المنهج التجريبي للمبدع المسرحي وعن شروطه ومنطلقاته وإشكالياته الدقيقة، قال المخرج لـ”العرب” إن “التجريب لا ينطلق من فراغ، بل يتأسس انطلاقا من ثقافة ووعي فكري وقراءات عميقة ومشاهدة واطلاع ميدانيين على المسرح العالمي، وهذا المسار يجب أن ترافقه، برأيه، جرأة وإرادة وقدرة على تجاوز المألوف دون الاستكانة إلى القواعد المسرحية الجامدة والمجازفة يصاحبها الخطر وهي بمثابة الرقص على حبل المخاطرة.”

كان الشعافي أول من قدم ميلودراما في تونس بعنوان “بعد حينو” وكان ذلك سنة 2004 وقدم سنة 2011 مسرحية “ترى ما رأيت” واشتغل فيها لأول مرة على تقنية الممثل عن بعد، أي على ممثلين يوجدون على الركح في تونس، وفي نفس لحظة العرض توجد ممثلة في مدينة مونبيليي الفرنسية، بطريقة فيها الكثير من الإيهام عبر تقنية السكايب، فتظهر كأنها موجودة الآن وهنا. كما قدم مسرحية هوائية بتقنية القماش الهوائي الذي يستعمل في السيرك. ركز أنور الشعافي في كل تجاربه على الجانب التقني، فالتقنية بالنسبة إليه هي جمال وجمالية ولا معنى للمسرح إن لم يكن ملتصقا بواقعه.

كانت لأنور الشعافي الكثير من التقاطعات مع الواقع الثقافي خاصة من خلال ما يكتبه في الصحافة من نقد، إذ كان يرى أن الواقع الثقافي في تونس تحت سيطرة ثقافة سطحية تكرسها بعض القنوات التلفزيونية المبتذلة، مقابل تراجع الثقافة الحقيقية الجادة والصادقة. بينما كان من قلائل المسرحيين المغاربيين الذين خرجوا من دائرة غرور الريادة والتفوق، معتبرا أن الريادة المسرحية التي كانت تتميز بها بلدان شمال أفريقيا تسير نحو الانتقال إلى المشرق العربي.

المصدر : العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى